الحصارُ : قصّة قصيرة – أشرف الخريبي – دمياط – مصر 12 نوفمبر,2018 أشرف الخريبي يَبدأ الفزعُ الهائل من جنوني بكْ.. يرسمُ أروقة ومسارات، علامات للدهشةِ والتخيل. أرى جدي النائم في عتمِ الليلِ. أراهـن أن الشتاء أروع بكثير من كل الأيام التي مرت، مسافة بيني وبين الحلم تتواري،تخلق قسوة لا أعرفها. ألــعن قسوة البرد ورائحة السجائر في غرفةِ مسدودةِ كسماءِ الغيمِ، طاولة بالية، أثواب قديمة، كتب مُكدسة كالعروق، فأقلب الرئيس عصفوراً والحصان اسم فاعل، قيم تتبادل النكات لتضع نفسها مكان الحروف، أنظر إلى الموناليزا بصبر ِ، من الوضع مبتسما، تُحيرني الصورة في أي وضع أكون، تنادى أمي دون سابق إنذار فأقفز في الوعي والهواء،أهتف أنها جاءت تلك التي أنتظرها، ألعن أبا الانتظار، لعلني أفقْ، غير أن الوقت كان باردا والحزن باردا، كل شيء كان باردا حتى رائحة العمر كانت باردة ولم تأت! أعترف لك للمرة الأولى في حياتي أنني أحبك !!.. كي يتسلل الحصار إلي ،الوقت حصار ،اليوم الذي يُعذبني في بقايا الثواني التي مرت أزمنة…،لم أكتشف في أي وقت خداعي لي، كي أعاصرني في مساحة أخرى من الحزن العميق، أعود يائسا في نفس ذلك المربع المليء بالشجن، كي أعرف صورتي من خلالك. أراني مُتاحا ثانية ومُمكنا أخيرا / أخيرا أقف مبتسما نصف بسمة كما قال لي، تك …فلاش. تعبث بي المفردات في عالمك الأثيري فأصمت صمتا كراهب، أكـتب الكلام كما يجئ إلى رأسي رأساً دون أن أنتبه لتسريب الدفء من خجلكِ المستحيلِ لأصابعي الواهنة كوطني ، أراهن ثانية على حبي لك واستمراري في الضغطِ على ما تبقي من خواء الروح أو هكذا كنت مُعلقا عند حدِ النمو كي أدخل في التفاصيلِ الصغيرةِ والكبيرة، قدمي تضرب في الأرض بعنف. لفكرة جهنمية عن حضورك إلىّ حالا….. تَستطيل مساحة اللون بما يكفى كي أرى عُيونك تتسللُ إلى مفازاتِ الدهشة في أحلامي، أصرخ في عيونك عبر صورة باهتة في جيبي، وأسألك، متى تأتين ؟ متى ستجيئين أخيرا؟ تحكمين على أعضائي بالانتباه لما حولها، كي أعرفني، أراقب كل شئ فيك بفزع؟ البيوت التي كانت، الرصيف المزدحم ،محطة القطار، هزيمة الأصدقاء المُعلنة، تفاصيل مُهرة الشوق الحرون، لحظة الوداع الأخير، النخيل البهيج، اخضرار المزارع حين القُبل، صوت البنات يضحكن في مرح بريء بلا خجل ، فهل تدُقني التفاصيل الساخنة في آخر الشارع ليلا، كنت أبحث في الوجوه، أتفرس في الملامح، لم تزل لحظة العطش الموسمي مُغامرة فريدة، مازلت أراك خطوتي الأولى الخائبة، ونابليون يفتح مصر. يصرخ في المماليك وفى الخرائط، يجوب الأرض شرقا وغربا باحثا عن كنوزك، يُعلن الناس عن مظاهرة كبيرة بلا سبب واضح، وأعُلن عن مظاهرة صغيرة وحميمة كعينيك، كي أرجع لعصر أبعد وأراك أقرب، نقرأ معا ما قال درويش عن العابرين والعبريين، عصور التوحش في عينيك.حوارنا الدائم – لم لا تأتين؟ لم لا تخرجين من الحصار.. وأخرج من انتظاري في أخر الليل وحدي، تعودين، تُمزقين مُعاهدة التفاوض وتُفاوضين معي مفاوضات سرية فى حجرة دافئة.وطيبة كعينيك،كان المطر يتساقط في الليل، كأن السماء انفتحت من النهر، الرخات على زجاج النوافذ، تصنع أريجا من العزلة والترقب، مُعلنة عن وجودنا كي تَعبرنى الكلمات..وأعَبرها، في انتظارك. كنا \ أنا والكلمات وأنت، واحدا فردا أزليا في هذا الكون الفسيح ننتظر، لما تتلون رؤيتي بلون السماء والمطر، مساحات أخرى من التخيل، هل نرى؟ قال لي : لا بد من ابتسامة صافية قليلا كي تظهر الصورة واضحة، ابتسمت ثانية أتخيل جدي النائم في عتم الليل وأمي التي تصرخ بمسامعي مازالت تصرخ، ألعن ضوء الشمعة الوحيد في عتم الليلة/ حصار الوقت وانقطاع الكهرباء، أعواد القمح التي اصّفرت من هزة الريح، وجوه باهتة تمضي لم تنته بعد من الحصار، لم أذق طعم النوم بعد إرهاق طويل طوال خمسين عاما.في شوارع ليلك البابلي، أسمع صوتا يجئ من خارج الحجرة..يُسلم على أمي تُحاصرني الفرحة، أبتسم خجلا، كما قال لي أرتب الحجرة بسرعة. ستدخلين الآن، تسقط الكتب من يدي، الحروف تتلبد بيد الصمت عارية من أي ضجيج مُمكن، تفاصيل أخرى تتبعثر لا بد أعرفها، دنقل يأمرني ألا أصالح ولو توجوني بتاج الإمارة، درويش يلعن العابرين والأصدقاء والفاشلين أمثالي. و لكنى، أرضـى أن أكون ضمن المماليك في بلاط سلطانك العظيم، بنفس ذلك الخجل الحجري في غمضة العين، واهتزاز الشفاه، أرتب بقايا الملاءة البيضاء، والسرير الخاوي من فرحتي، لا أفكر أبدا في اللون، تنفتح الحجرة ببطء، يزوم الباب كزوم الكلاب، يهز ذيل رضاه عني خانعا وينفتح، يصنع رائحة الأحلام كتلك الرائحة في كتب التاريخ وكتب المتفلسفين المتزامنين مع الوقت الفصيح. يزوم الباب كزوم الكلاب وينفتح، يضرب في أم رأسي، تدور فيّ طواحين صمت وترقب، أقعد كسيحا، صابرا ليس كالصابرين بل أشد ضراوة، ها أنت ستدخلين ؟ أخيرا ينفتح الباب ولا يزوم، ولا تدخلين!!! فأدخل للحلم وحدي، عاريا من التفاصيل صامتا بما يكفى هجرتي وملاذي،ألمح أصابعها على أكرة الباب ونصف يد ممدودة بتراخ…ها هي، أقبض على الوعي الباقي المتنمر في أفقي، أصالحني كي أسترد وجودي هنا …………… ها هنا كنا في أرض بلا مرسي ولا شطآن، لكنا كنا نُعد الوقت والبكاء، نرتب الضجيج والليل في الولوج، نلمح العربات كأي شيء عادي، أهيئ ملامحي لغضب مكبوت من زمن، قلبي يأكلني كالشريد، يطير يهتف بك، ليسقط الملك وأي حوار أخر، تسّاقط النظرات في الأرض خجلا من انتظاري الفاجع لكل ما يُمكنني، أقعد خاويا لجوار الحائط الهش إلا من رائحة الوقت، أعرف أنك ستدخلين الآن، أفكر كيف ستجلسين، وفي أي ركن حين أواجه براءة وجهك المُجدلى، كيف أنى سأحاول الاقتراب بهمس وعذوبة هكذا \ هكذا سأمرر أصابعي، لا..بل أطراف أصابعي إصبعا واحدا.. إصبعين ثلاث أصابع خمسين قتيلا وخمسين ليلا وخمسين يدا هكذا كل الأصابع ـ،سأمررها ليس مهما، إنه الحلم الذي يتسع لكل شيء يراوغني، يمنح مساحته العادية كي تمر يدي ببطء، تلمس بشجن الوقت والحصار، الكف حين يرتعش يقبض على المساحة الضيقة جدا، تتسرب بوجل، هكذا تمر الأصابع من فتحة أزرار القميص الشفاف إلى أخر منعطفات الطريق الطويل، على ساحل البحر،تكبر أكثر حتى تلامس الضفاف والكنوز ها هي تقترب الآن، تلامس بعض من الضفاف والعذوبة.يضربها البحر ثانية للقاع، ها أنا أواصل تقديم أصابعي بلا خوف، برجاء أزليّ وقديم قِدم الكون ،هل ألمسك بما يكفى. مغمض العينين، أقبض على مخزون ليلي الأرق، أفتح عيوني مُتعبا من نشيجي، لكي تنتبه الأعضاء ثانية من دهشتها ،أغُمض المكان عنى، وأجدني أكتب اسمك مكان عمري، أرمي بالأوراق بعيدا وأدخل الحصار مثلك، – تنادي أمي أخرست الوقت والشخوص وخيبتي في استكمال الحلم الواهن، أمرر أصابعي هكذا بهدوء/نعم في هدوء وسحر، تنادي أمي بصوتِ مبحوحِ واهن كالحلم أبُدل مُوضع الملاءة والسرير،وأضع فوق رأسي كل الغطاء، أتمرغ / أتقطع /أتقهقر / أتصور /أتبدل / أتذكر أنك ستأتين، ستأتين لي، تقفين عند حد الذهول والدهشة مجرد التذكر والحلم.أنتظر الدخول لسنوات كثيرة مرت، كنت في حال الانتظار، أرتب الكتب آلاف المرات والسرير، مفرش أمي القديم من أيام زواجها بأبي ناصع وجميل، ألعن الوقت، وحصار الحلم المميت، لعبة التخيل العقيمة حين لا تفتحين الباب ولا تفتحين السنين، ولا تدخلين.ولا تأتين….ولا يتبدل شيء غير ملاءة السرير، تمرين ببطيء على نهاراتى الهزيلة وأعضائي الفقيرة الذابلة، تتسكعين في غبش الصباح الجميل وتُهربين الحكايات منى، في قهوة الصباح تُبقينني صامتا أمام رغيف خبز وحجرة جدي الوحيدة، أنفاس ليل مقدس خواف من عرىّ وافتضحاتى المتوحشة كي أنتقل من ركن إلى ركن خاويا منك، إلى جذع صفصافة في آخر الشارع أسألها عنك في هذا الصباح البارد الندي، بعد ليل متسكع بما يكفى مع أعضائي الساهرة في فوضي انتظارك، أستجير بما لم يُجرني، بالشعر أحيانا فأرى الكلام كله لك. والحروف تنادي عليك. أعرف أن خُطاك ستجيئني يوما…وأنا خطأ ما وقع في إعادة الترتيب لخريطة وجودك. وخريطة الطريق بينما يكون الممر الأول هناك في أخر اللوحة، يكون الأعداء في داخل البيت والعابرون في أول النص والزاهدون في أخر العمر. أقول لنفسي إنها ستعبر من الحصار لا محالة، أضمك إلى صدري بلا خوف، أغوص في شفتيك.أتأملك أثناء ذلك، أمتلك ناصية عمري حين يلتئم والجرح،أسمع اسمك في التلفاز، أقفز، ها هي أنت تأتين ، كل شئ فيّ يروم القلب، أعود فأغوص بما يروى عطش المهرج وصالة المتفرجين على شقوق أحزانك المستفيضة، الطارحة مسارات الدهشة فأعود حزينا كل هذه السنوات!!!! بما يهزم تخيلي حين أتأكد أنك هنا وأن النشيج انتهى.والسماوات لم تزل نهرا مفتوحا على نهر، يصرخ في مسامعي نداء أمي.. وحصار الوقت، في التلفاز أعلن عن حادث القطار، تجربة قاسية في استبدال الخوف، أنفض الكتب عني، أعيد فوضاها، أحبط شوقي إليك والعنني، ألعن الوقت وألعنك ألف مرة ،ملعون أبو….. لم تزل هذه المساحة ذاتها ضمن حد الأحلام، الدهشة والترقب لسرير غرفتي فأقف مندهشا وصرير الباب الأعزل من أي حدود. يد ممدودة على أكرة الباب تُعلن الخلاص من عتم الليل. من كحة جدي الشاحبة، وصوت التلفاز ووجوه المُعزين الهادئة المتثاقلة التي لم تنظر أبدا إلي، حين مات هذا الشيخ الهرم، كي تهرب منى الحكاية عن أحلامي معك ثانية. غير أنى تذكرتها نائمة في الغرفة المجاورة بهدوء شفيف نعم.. أمي كان صوتها داخليا يُعيرني، التفتاً، يعيد سذاجتي إلى مواضع من التفاصيل الدقيقة..أسأل كل الذين عَبروا في الكلامِ العابر ضمن أشعار درويش أو علماء الحملة الفرنسية عن السر الدفين في علاقتي بك.وانتظاري الدائم لك. كي أسُقط الرموز ثانية من حساباتي أقف عند هذا الحد من تبادل القُبل العادية في الهواء كأني نائم أبثُ أشواقي إليك في خطاب ضمن هذا الحصار، أًمر من عمري الصفيق لأمر ثانية من دهاليز صمتك فأرى دموعها الساخنة تنساب حنينا، حين تمد يدها الطيبة تفتح الباب، تشم رائحة السجائر،تسألني بقلق خفي… أكلت ؟ أكواب الشاي الفارغة القذرة، تضحك في زهو تسخر مني، لكنها تغمض عينيها، وتقفل عائدة ، تدعو لي في صمت، لا يبدله انتظاري المستريب لكل دقيقة تمضي، في أيقونة الوقت الذي سقط سهوا أيام انتظاري لك، كنت أبدو ناصعا كبياض الزبد حين يخرج من فمك العليل أخيرا…..لا تدخلين، أسُلم الأعضاء إلى موتي والسلام ، في الحصار، سأبقى وحيدا، دون دمعة واحدة. أخيرا، أستسلم ولا أفقد أملي أبدا، حين تمزقين الحصار وستأتين إليّ، ستأتين إليّ. 2018-11-12 محمد صالح بن عمر شاركها ! tweet