وجبةٌ دسمةٌ: قصّة قصيرة : نور نديم عمران – اللاّذقيّة – سورية 13 يوليو,2018 نور نديم عمران وأذكر وجهه السّاخر حين أخبرني عن الدّودة التي سقطت في طبق المعكرونة فصرخت:أوه …ما هذه الزّحمة؟! أذكر ضحكته وتأمّله لنظراتي المدهوشة بقرف غبيّ….نعم بغباء طفوليّ استبعدت الوجبة الشّهيّة من مائدتي …..هكذا أنا أتعلّق بالذّكريات ،أعيشها زمنا ليس بقليل ….. ولم يقتصر الأمر على هذا بل تجاوزه إلى صاحب الطّرفة كما ظنّ نفسه ،صرت أراه في أحلامي بقامته الطّويلة النّحيلة يمتدّ ويتغيّر لونه ليغدو دودة تخرج من صينيّة الفرن مع آلاف الدّيدان الأخرى يتمايل أمامي يقهقه ويهجم عليّ ليلفّني بكفن من نوع مختلف… وهكذا امتنعت عن رؤية الزّائر الدّائم والهروب من الحديث معه إلى أن جاءنا في يوم مودّعا لإتمام دراساته العليا في فرنسا ؛فرحت ظنّا أنّني ودّعت ابتسامته الكريهة إلى الأبد واستطعت أخيرا التّخلّص من الصّورة التي لازمتني طويلا لاسيّما أنّ رسائله بدأت تقلّ وما عدت أسمع عنه شيئا بعد زواج أخي الذي هو صديقه وانتقاله للسكن بعيدا،لكنّ تعلّقي بالذّكريات ما كان ليفارقني أبدا.لذا سعى أصدقائي في الجامعة لترك ذكريات حلوة معي دائما…. حتّى صديقتي يارا المقرّبة جدا احتارت كيف تصالحني بعدما عبثت معي ودعتني إلى الغداء ،مقدّمة لي المعكرونة مع علمها بقصّتي السّابقة ..وكلّفها الأمر الكثير من قطع الشّوكولا التي أحبّ لترضيني….حتّى إنّها كادت توقع نفسها في مشكلة عندما رمت لي قطعة منها في قاعة الامتحان حيث اقترب رئيس القاعة موبّخا بعد أن اعتقد أنّها شيء آخر، ما أدهشني يومها نفوري الفظيع من ابتسامته الباهتة مع أنّه بدا لطيفا…تلعثمتُ في الكلام وبدأتُ أقيس طوله بحنين مقيت . عدت إلى المنزل مثقلة بالهموم كبعوضة جائعة لم تحظ بجلد تمتصّ دمه ..كإبرة ضجرة كسولة تتلكّأ في طريق ثوب طويل… أمسكتُ سمّاعة الهاتف :مَرْحبا أخي …هل عاد جمال؟! – من جمال…؟! – صديقك ثقيل الدّم الذي.. – جمال عاد…من أخبرك؟..كيف..متى…؟؟؟ وانهال عليّ بأسئلة لا تنفعني …فأنهيت المكالمة ليرنّ هاتف كالقدر من صديقتي يارا : – ما رأيك في الدّكتور جمال؟…أليس لطيفا؟…..وابتسامته كم هي ساحرة … يبدو كالممثّلين الأجانب.. – ماذا قلت…دكتور جمال؟. …من أخبرك باسمه؟! إنّه حديث الفتيات في الجامعة …أنيق …وسيم…لبق..آه ليته يدرس في قسمنا لكنّه مختصّ في الأدب الفرنسيّ… وانعطفتُ على ذاتي أوبّخها …لماذا تحمّلني مالا طاقة لي به ،فليكن من يكن …عليَّ تجاوزُ هذه التّفاهات. لقد كبرت ونضجت . ومن جديد رنّ الهاتف القدريّ : نعم يا أختي لقد عاد جمال ،حصلت على رقمه من أهله وتهاتفنا وسنلتقي قريبا. ومضت الأيّام وعوض اعن إبعاده عن تفكيري صرت أراه في كلّ خطوة وزاوية ، وأبحرت بعيدا في تفاصيل زيارة أخي له بل أكثر من ذلك تخيّلت ردّه السّريع بزيارة ودودة ورغبة في التّواصل …رأيته يتذكّرني ويسأل عنّي بلهفة ،ولم أشكّ في دعوته لي إلى الهيئة التّدريسيّة ليتعرّف عليّ مجدّدا ثمّ دعوته لتناول الطّعام معا لكنّي طبعا لن أرضخ لرغبته في تناولي للمعكرونة ..ربّما…ربّما يمارس سحره عليّ في دعوات لاحقة ويقنعني بتذوّق القليل لأتجاوز عقدتي …. سيدهش بثقافتي وسيجدني مناسبة لطموحاته العلميّة والاجتماعيّة على الرّغم من صغر سنّي …سيزورنا في المنزل مصطحبا والدته التي ستسارع لتزويجنا لتمنعه من السّفر مجدّدا..لكنّني سأرفض ولن أقبل إلاّ بشرط ألاّ يفرض عليّ إعداد الطّبق الكريه …..من يدري غدا يطالبني بالمعكرونة بالصّلصة البيضاء أو لعلّه يفضّلها مع صلصة البندورة أو.. ترى ماذا ستفعل والدته حين تعلم برغبتي في السّفر ﻹتمام دراساتي العليا …لا بدّ أنّها ستقف في وجه ارتباطنا. أنا لن أتخلّى عن طموحي ،عليه أن يقنعها هو…أو قد يستعين بأقاربه….أقاربه. …ليست فكرة جيّدة لا بّد أنّ كثيرات في العائلة كنّ يتمنّين ارتباطه بواحدة منهنّ…لا..لا…لن أتحمّل هذا…. والطّالبات في الجامعة متيّمات به…لن أتحمّل أيضا التفافهنّ حول مكتبه وكلمات المجاملة و..و.. لا ..أوه يا إلهي ما هذا الشّخص المليء بالمشاكل..؟! أنا لا أريده …لن نتفاهم، تفصلنا ثلاث عشرة سنة …سيقيّدني..الأفضل أن أرفض طلبه للزّواج… قد يجرح هذا كبرياءه ويطاردني في كلّ مكان ويتحدّث مع المدرّسين ليعيق تفوّقي ونجاحي … فجأة رنّ قدري : أهلا زوجة أخي أين كنتم؟ اتّصلت بكم مرارا. – خرجنا في نزهة وزرنا بعض الأصدقاء البغيضين… لن تتخّيلي كم تضايقت بلقائهم ،امرأة بغيضة في غاية الفظاظة لا تعرف شيئا عن الحياة الاجتماعيّة برمجت حياتها على حاسوبها ..لن تصدّقي كم هي مزعجة ولا تليق بزوجها اللّطيف الرّاقي. … صدّقيني لن أكرّر هذه الزّيارة حتّى لو خاصمني أخوك – عمّن تتحدّثين؟! – لا تعرف شيئا من أمور المنزل..لديها مربّية تهتمّ بالطّفلين وتدبير أمور المنزل …لا تجيد إلاّ طهي المعكرونة التي يحبّها الدّكتور.. – عمّن تتحدثين؟ أخبريني ؟ عن زوجة صديق أخيك الدّكتور جمال …والأفضل لك ألاّ تعرفيها . 2018-07-13 محمد صالح بن عمر شاركها ! tweet