المياهُ مُعتمةٌ .. والغرقى كثيرون : شعر: علي نويّر – البصرة – العراق 24 فبراير,2018 علي نويّر أيّها البحرُ لا جدوى من إغوائي بنشيدكَ اليوميِّ ، بأمواهكَ التي تأتي إليَّ مُحمّلةً بالقواقعِ ، والعلبِ الفارغةِ ، والنّذورِ ، ورسائلِ الغرقى التي لم تصل..ولن لا جدوى من إغوائي أيّتُها المياهُ الضحلةُ ، ما عدتُ أصلحُ للرّحلاتِ القصيرةِ ، أنا ابنُ الصّحراءِ الأزليةِ ، لا أفقَ يحدّني ، أنا ابنُ المياهِ العميقةِ ، لا ساحلَ أنتظرُ ، ولا فَنارَ أهتدي إليه ، خُذْ هداياكَ أيّها البحرُ ، وارمِ بها بعيداً ، لن أحتاجَها بعدَ الآنَ . . ها هيَ ذي يدي ، مازالتْ تلوّحُ بفسفورِها المُشعِّ للذين سيأتونَ من وراءِ هذا الأفقِ للهابطينَ من تلكَ التّلالِ أنا الجامحُ كنزوةٍ عابرةٍ ، والجارحُ مثلَ شظيّةٍ طائشةٍ أعرفُ كيف أُضيءُ في اللّحظةِ الحاسمةِ . . لم أكُ يوماً مِئذنةً لأحدٍ ولا عهدَ لي بالهُتافِ أمام حَشدٍ ، بَيدَ أنّ رقبتي مازالتْ طويلةً بما يكفي كي أرى من وراءِ هذه الأكتافِ ما لم ترَهُ عينانِ وثَمّةَ احتياطيٌّ هائلٌ من الغناءِ الجميلِ مازالَ مُحتبساً في حنجرتي . . أيّها البحرُ ها أنذا أمامكَ الآنَ تركتُ ورائي مُدناً تتقاذفُها الأعاصيرً ، وتلتاثُ إليها الطرُقُ ، لم يبقَ منها سوى استغاثاتٍ ، صُراخٍ مكتومٍ ، وآخرَ مُدوٍّ مازلتُ أسمعُهُ مُخترقاً الغُبارَ والرَّمادَ ، سوى أجسادٍ مُزرقّةٍ بفعلِ آلاتٍ للتّخديرِ . . بكاءٌ ساخنٌ ومرٌّ يقاطعُهُ على الدّوامِ ضحِكٌ خليعٌ ، شُرُفاتٌ ومُتّكآتٌ وثيرةٌ تطلُّ على خرائبَ وقُرىً مُغبرّةٍ ، جدرانٌ وأعمدةٌ من الرُخامِ ، وأخرى من الصّفيحِ ، عُكّازٌ هنا .. صولجانٌ هناكَ سوطٌ هنا.. ظهورٌ محنيّةٌ هناكَ منارةٌ مُتداعيةٌ هنا .. صُلبانٌ مَعقوفةٌ هناكَ نِفطٌ هنا .. مياهٌ آسنةٌ هناكَ ساحلٌ ممتدٌّ هنا .. طرقٌ مُلتويةٌ هناكَ . . أيّها البحرُ خُذْ بيدي إلى الأزرقِ البعيد كن هادئاً زوارقُ الصّيّادينَ لا عهدَ لها بأمواهِكَ المُتواثبةِ وصخبِكَِ العالي ، ما هيَ إلّا زوارقَ خشبٍ خاوٍ من بقايا سفينةِ نوحٍ ، نوحٍ الذي لم يتركْ وصيّةً لأحدٍ سوى حكايةٍ تشظّتْ على ألسنةِ الرّواةِ . . أيّها البحرُ ها هوَ ذا شراعي الأخيرُ خُذْ بأطرافِهِ الآنَ المياهُ مُعتمةٌ .. والغرقى كثيرونَ ولا أحدَ ينتظرُني هنا . . وأنتِ أيّتها الغيمةُ اهبطي لنرى أيَّ أرضٍ ستزهرُ قبل غيرِها في هذا الرّبيعِ العَدميِّ الأخيرِ . 2/2/2014 2018-02-24 محمد صالح بن عمر شاركها ! tweet