عالمٌ آخرُ يخصّني لغفران طحّان : مجموعة قصصيّة سيّدتها اللّغة : بقلم :سوزان الصّعبي – سورية 7 أكتوبر,2015 القصّاصة السّوريّة غفران طحّان ما أجمل أن تصلك في هذه الظروف مجموعة قصصية مطبوعة في مدينة حلب، تعطيك الأمل مجدداً بأن الحياة والإبداع لا يمكن أن يتوقفا طالما أن الإيمان بهما قويّ. وما أجمل أن تكون هذه المجموعة القصصية ممتعة بل ومميزة في كثير من الجوانب. ونتحدث هنا عن مجموعة عالم آخر يخصني لكاتبتها غفران طحّان، الصادرة عن دار نون عام 2014 وهي دار معروفة بتاريخها ومؤلفاتها . العنوان يفترض أن هناك فضاء مختلفا يحمل خصوصية ما، ثم حين تقرأ ما بين دفتي المجموعة تكتشف تباعاً تفاصيل تلك العوالم الشبيهة أحياناً بالخيالات التي تحدث عند إغماض العينين للتأمل، أما عناوين القصص فلم تحمل فرادة ما أو لم تسر على ذات خط التميز، نذكر منها ( نبوءة جدتي ـ لم يعد للتفاح مكان ـ نبي الصمت …) وهذه النقطة ليست عيباً ولا ضعفاً، فكلنا نعرف مدى الجهد والإرهاق اللذين يتحملهما الكاتب في البحث عن عنوان قد لا يهتدي إليه إلا بعد عدة محاولات ، ثم هو في الغالب لا يرضى عنه. سنتوقف عند بعض القصص لنلقي عليها الضوء ، منها مثلاً قصة ” ولم تكن النهاية” المولودة من عيني الأرض السورية الباكيتين وقلبها المفطور. فقد تناولت فيها الكاتبة مشهدا من مشاهد الحياة اليومية أيام الحرب التي تبدأ فجراً بطائرة تحوم وتنتهي مساء بهدوء ليس سوى استراحة المحارب، ويلوح انعكاس الخارجي على الداخلي في كل الحركات والسكنات، في الطعام والاستحمام والنوم الذي لا يتحقق. وتتميز هذه القصة ككل قصص المجموعة بالبحث الدائم عن اللغة المجازية المتفردة التي تستبطن الأعماق وتلتقط من المحيط ما يؤلف صوتها الخاص . تقول الكاتبة في وصف قطرات الماء” كانت تتدحرج لتتعانق شوقاً على وجهي، وتسقط معاً نحو نهايتها أو بدايتها”. وفي قصة”تلك التي” وصف لنكهتي الحلاوة والمرارة اللتين يتذوقهما المبدع لحظة فوزه بهالة إلهام الكتابة المقدسة. فحين يصبح العالم كله وحيا وفكرة وقلما وورقة ، تتسارع الأنفاس ويسير القلب حافياً نحو موعده، ولكن يحصل أن لا يعثر العقل على فكرة إلا بعد أن يهدأ القلب. وهكذا تضيع الفرصة الآن، لكن لابد من فرص أخرى قادمة، فنهوض الحلم والإشراق ليس عصياً على من امتهنه “وجاءت بخطوة فراشة، حطت بأناملها على روحي، وقالت هيت لك” وعن لحظة الخيبة تقول” كنت أرقب رحيلها عني، وقد تعلقت عيناي بذياك النور، وبفلول النرجس المهزوم، وصدى الصمت المخاتل”. و يمكننا التوقف أيضاً عند قصة “سيدة الكلمات” التي تصف تعلق كاتبة بمُلكها الأثير أي الكلمات، فحين تستيقظ من الغيبوبة وتولد من جديد في اليوم الثامن، تبحث في معجمها عن كلمات جديدة تستحق أن تشاركها ولادتها، وهي الملقبة مذ كانت طالبة جامعية بسيدة الكلمات، وكان يقبل على قراءة كتبها قراء كثيرون، لكنها ولطرافة الموقف تجد نفسها على سجيتها تطلب من الممرضة دخول الحمام، فالحياة بحاجاتها الأساسية والفيزيولوجية قد تكون الأساس أحياناً، فتكون الحياة بذلك هي سيدة الكلمات. إذن اعتمدت القصص المزاوجة بين الواقع والخيال ليشعر القارئ بأنه شاهد هذه الشخصيات ذات مرة أو أحس بهذا الشعور مرة ثانية، فهي بتنوعها تطرق أبواب ذاكرة بعض الناس وتنادي بأصوات آخرين وتحزن كما يحزن كثيرون وتستحضر الجدات والقرى والأمكنة والطرقات والبحر، وشيئا من فيض مكونات الحواس. ولم ترضَ إلا بامتلاك لغتها السردية المتروكة لحبال الخيال الغني الذي يلامس بسرعة الذائقة المحبة لامتزاج السرد بالشعر، فالنفس الشعري حاضر بقوة، وإن كان يمكن الاستغناء عن بعض العبارات و الاستطرادات. سوزان الصّعبي – سورية 2015-10-07 محمد صالح بن عمر شاركها ! tweet