حمار الشّعب :قصّة – بوجمعة الدنداني -تونس 12 يناير,2021 عندما عرضت صورته على جهاز التلفزيون شعرت براحة كبيرة وانتعاشة فقدتها منذ أكثر من عشر سنوات وبإحساس أن الظلم زائل و أن النصر آت . أخذت الصورة تتصاغر وركّزت الكاميرا على المائدة المستديرة وقد جلس حولها معدّ البرنامج وصديق المناضل الحقيقة أنا لا أعرف اسمه والمناضل ، هكذا كنا جميعا نسمّيه بما فيها أنا زوجته وأصدقاؤه ورفاقه . لقد حرر ته الثورة . يوم هروب بن علي انفتح باب السجن وخرجوا جميعا وكان هو من بينهم ، لم يصدّق أن ما حدث حقيقة و أن الاستبداد زال و أن الحرية أصبحت واقعا . يوم داهموا المنزل لم يجدوه . كنت وحدي مع طفلتي الصغيرة ، قلبوا البيت كأنهم يبحثون عن إبرة ، لاحقتهم في كل ركن صعدوا فوق البيت بحثوا تحت الفراش في بيت الاستحمام كسّروا بعثروا لطموني دفعوني على وجهي و أنا افتكّ مزهرية أو اخفي قطعة ذهب او اسدّ عليهم البحث في بيت المونة حتى لا يبعثروا الكسكسي والمحمص ، أقف واسقط وهذا البوليس لا يستحي من النظر إلى وأنا شبه عارية، ما همني، وأنا ألاحقهم من غرفة إلى أخرى ، كل شي مكوّم على الأرض وهم يغادرون قلت لهم هل وجدتم المناضل ضحكوا وقالوا معا مناضل وقهقهوا عاليا وانصرفوا . بعد أيام وصلني خبر إيقافه . وجدوه عند صديق . سأله الصحفي هل يمكن أن نعرف أنواع التعذيب التي لقيتها في السجن ؟ اسودّ وجهه ولاحت عليه سحابة وألقى برأسه إلى الخلف وتنهّد . قلت في نفسي التعذيب ، السجن . كنت أحمل طفلة على ذراعي والأخرى في بطني وأتنقل من سجن إلى آخر ومن محكمة إلى أخرى ودخت بين المحامين ، لا مال عندي ، لا عمل ، منذ اليوم الأول لإيقافه وجدتني عاجزة عن دفع أجرة الكراء ، لو لا أن جاءني والده وأخذني الى منزله ، غرفتان وقاعة جلوس ، الأب كان يقيم وحيدا ماتت زوجته وليس له إلا ابن وحيد،هو زوجي . كنت أترك الطفلة بنت الثلاث سنوات عند جدها وأدور من مكان إلى مكان بحثا عن عمل ، لم اترك معملا او مصنعا او إدارة وعملت في البيوت كمنظفة وفي المطاعم ، تلك كانت المهمة التي أجيدها راودوني عن نفسي كثيرا رغم بطني المنتفخ ، لم اتعلم غادرت الدراسة منذ السادسة ابتدائي . عملت في مزارع العنب والتفاح والخوخ وجمع الزيتون وفي الصيف أتوجه إلى حقول القمح والشعير والتقط ما تناثر من ماكينة الحصاد لقاء اجرة زهيدة . هكذا أرادت الحياة ّأن أتزوج وأن أجد نفسي أمام رجل ، كما يقول ، أعطيت عمري للقضية ولن أتنازل عنها كلفني ذلك ما كلفني وكنت أقول له إذا تركتني من يعيلني أنا وابنتك ووالدك الشيخ من يهتم به ، كان يقول افهمي يا.. القضية امر جلل ، جلل هل تفهمين ما معنى جلل ؟ ودخل السجن وأنا لا أعرف ماهي القضية وما معنى جلل؟ . عندما حكموا عليه ونقلوه إلى سجن برج الرومي كنت غالبا ما أبيت في مقبرة المدينة ، اذ لامال لدي لأ نزل بفندق ، يكفيني تحمّل نفقات السفر ، حتّى أراه وأعطيه بعض المال وأقول له تصبّر السنوات تمضي بسرعة والحمد لله وجدت والدك سترنا أنا وبنتيك ، لقد ولدت ابنة كالوردة سأحملها معي في المرة القادمة عندما يشتد عودها قليلا . سأله الصحفي عن صحته قال { بمب } ، حاولوا أن يهينونا بالضرب وبالعزل داخل السيلون وبالطعام الرديء لكنهم عجزوا عن تحطيم إرادتنا . تمتمت في سرّي أنا أصبحت مريضة بالفدة ، أتنفس بصعوبة واحتاج أسبوعيا للدواء ، لولا أبوك يعطيني من منحة التقاعد الهزيلة ما استطعت أن أوفر لك المال وللبنتين الأكل والحليب . في ليلة من الليالي حلمت أنني أدخل زنزانتك ورأيت جلاديك وهم يجرونك على أرض زلقة ولحمك أحمر من الضرب ينز دما وأنت تصرخ من الألم ، أسفت جدا أن أراك في ذلك الوضع المهين ، رجل بكل معاني الكلمة يهان ويعامل معاملة الدواب فالقيت بنفسي بينك وبينهم ….. في لحظات التعاسة كانت ذاكرتي تبتعد بي قليلا فأسرق نسمات السعادة وابتسم ، كان يجلسني امامه والى جانبي ابنتي الصغيرة ، لم تتم عامها الثالث ، ويقول الان سأحدثكم عن الامنبياريالية فأبتسم واقول الكلمة صعبة فيصحّح الام ب ريا لية يقطّعها حتى أميّز جيدا الكلمة ومع ذلك أجد صعوبة في نطقها وينطلق في حديث كبير لا أفهم منه شيئا وكأنه استاذ يستعرض درسا لطلابه ، رغم ضيق المكان ، يظل يروح ويجيء ويتكلم بكل جوارحه وبيديه ويضرب على الحائط ويبصق على كائن بشع لا نراه وهو يراه ويتوعّد ويهدّد ويرتفع وينخفض ويغضب ويثور ثم يهدأ قليلا ليعاود فورة غضب جديدة وشتم وسب ولعن وسلسلة من الشتائم للامنبريالية أو ماذا وللنظام العميل وللمثقفين المتخاذلين وللصهيونية وللشعب الحمار ، فأوقفه وأسأله هل أنا من الشعب ؟ فيصمت قليلا ثم يقول انت حمار الشعب ، ولم أتجرأ على سؤاله هل هي سبة أم مدح . رغم انها كانت من الاوقات الصعبة بالنسبة لي الا انها ظلت في ذاكرتي بين استاذ يجهد نفسه وتلميذ أصم وبنت خرساء ، اقتنص لحظات لأبتسم وربما اضحك . كأني بمقدّم البرنامج ينظر الي وهو يوجه سؤاله كيف حالك الان ؟ حالي في غاية ما يكون ، أشعر براحة كبيرة ، حمل ثقيل أزيح من على كتفي . أستطيع أن أنام بعد اضطرابات طويلة أقلقتني وخفت من الجنون ، في البيت رجل تتردد أنفاسه يشعرني بالامان والراحة ، قضيت ليال وليال وانا في انتظار سيارة الشرطة والطرق على الباب بقوة في منتصف الليل وربما في الفجر لاستيقظ من غفوة مرعوبة والخوف تحوّل الى رجل ضخم جاثم على صدري واصبحت استعيد احداثا سابقة باستمرار والم ،وافتح ويندفعون كالسيل الجارف : من في البيت؟ من تخفين ؟ والله نقطلعك راسك هات الصحيح من يتردد عليك ؟ من اين تعيشين ؟ رفاقه ؟ يا كلبة والله يقترب من البيت رجل او امراة نذبحك فهمت وانا في اثره اردد حاضرحاضر حاضر لايزورني احد نحن لاناكل اصلا لولا والد المناضل ويتوقف ويضع يده الغليظة في عنقي ويرفعني اليه بحدة وقوة : لواسمع كلمة مناضل مرة اخرى نذبحك ،ويتركني فاسقط على الارض واشعر كأنني قارورة انفجرت على الارض وينتبه للصور والمعلقات على الجدران ما هذا مازلت تحتفظين بها ، انزعي كل الصور، حاضر ،ويمرر يده الغليظة على الجدار فتسقط كل الصور وكذلك صور زوجي وبنتي وعمي نضال ، واظل اتأوه الى ان يغادروا البيت بعد ان بعثروا محتوياتها وافزعوا البنتين والشيخ المريض . حياتي الجنسية اضطربت قليلا ولم تعد عندي الرغبة وتوقفت العادة الشهرية ، لابأس ستعود الحياة ونعود الى طاحونة الشيء المعتاد ، زوجة رفيقي قالت زوجها اصبح عاجزا تماما عن ممارسة الجنس ، المناضل بدأ يعود تدريجيا ، المشكلة في انا هل سأعود ام فقدت الرغبة في الحياة ، كأنني آتية من بلاد بعيدة ، من ليل لانهار فيه ولا شمس ولا قمر ، من بئر عميق ، من كابوس اصرخ فلا أسمع لي صوتا . حالي الان نعمة ، استراحت ركائبي من الهجوم الليلي وانقشعت غمة الحبس وغمة الكوابيس وان ظل ضيق ذات اليد ساريا ولكن المهم اشعر انني حرّة والمناضل كذلك حر زاره أصدقاءه وفرحوا به وفرح بهم وقالوا لبعضهم كلاما كثيرا فهمت منه انهم عازمون على العودة للسياسة ولن يتوقفوا خاصة وان المشهد اختلط فيه الحابل بالنابل بالقنّاص . تسألني عن حالي اليوم المناضل عاد إلى عمله . وأنا عدت إلى البيت . 2021-01-12 محمد صالح بن عمر شاركها ! tweet