الجميلة والوحش : قصّة : بوجمعة الدّنداني – تونس 1 ديسمبر,2020 بوجمعة الدّنداني 1 لا، هذه المرة خيالك سرح بك بعيدا وأخطأت في توقّعاتك وتصوراتك ، نعم هي جارتي وجميلة أيضا ولكن ما توقعته لن يحدث . أنت من العنوان توقعت أن أكتب عن جارة تخرج كل صباح شبه عارية تنشر تبّانها أو تتثاءب فيرتفع ثوبها القصير حتى تكاد تتعرى وتظهر فخذها اللولبي الجميل او تنحني قليلا فيظهر نهداها وقد انفلتتا من إسار المشد . لا ، لا ، وربما توقعت أن أحدثك عنها وقد غادر زوجها البيت للعمل فأدخلت عشيقها ، أو ربما تزينت وخرجت تعرض بضاعتها على المارة أو في الفنادق ، لقد أخطأت مرة أخرى أنها عزباء وصغيرة السن وطالبة . ألم اقل إن خيالك مريض و إنك لا تنتظر من الكاتب إلا أن يكون مفجرا لنزواتك ، أنت لا تبحث عن نص بقدر ما تبحث عن إناء تتقيأ فيه ، عفوا لا أريد أن أجرّح لك ولكن اهدأ قليلا واسمعني واترك الأفكار المسبّقة ودعني أحكي لك هذه القصة دون أن تربكني أو تغتصبني أو توجهني كما تشاء ف أنا لست من النوع السهل ولا من جماعة ” الجمهور عاوز كدة ” . لنبدأ إذن ولكن سأتخلى عن دور الراوي أو السارد ، لا أحب ـن اكون في مواقع مشبوهة فأنا لا أؤمن بالحياد . 2 كنت مساء في بيتي بين زوجتي وأبنائي نترشف قهوة ونتحادث ، كانت أمسية لطيفة راجعت فيها دروس أبنائي ساعدت زوجتي في المطبخ عندما سمعت طرقا على الباب ، ذهبت زوجتي لترى من الطارق ، إنها جارتي الطالبة . دخلت كنت أقف في الممر ، رايتها تتجه إلى قاعة الجلوس ، شابة جميلة ، مساحيق خفيفة شعر مسدل على الكتفين ، فوضوي، تنّورة قصيرة تكشف عن فخذين جميلين ملولبين وصدر نافر قبّلت الأولاد ودخلت في إثرها سلمت ورحّبت وجلست هل هو فضول مني أم وقاحة؟ هي لاشك جاءت لزوجتي ،مرت دقائق ثقيلة استشعرت بثقلي وقد ران صمت ثقيل . من البداية هناك أمر غير طبيعي . استأذنت بالخروج ووقفت لكنها قالت : بعد إذنك مدام وإذن الأولاد جئت للسيد نوفل . تحرّجت زوجتي قليلا ثم أمرت الأولاد بالمغادرة وخرجت . بقينا وحدنا . ران صمت ثقيل لاحظت عليها بعض الاضطراب وحمرة خفيفة على الوجه قلت لابد من تشجيعها فقلت : اهلا بك نحن جيران ولا نحتاج لكل هذا الخجل ما الأمر ؟ قالت أجل نحن جيران وأنت آلان في بيتك ومع أولادك أرك في لباس محترم وصاحب ذوق حتى أثاث البيت واللوحات المنتشرة على الجدران تنم عن إحساس راق وزرابي مستوردة جميلة ووجه باسم بشوش. سؤالي عندما تغادر بيتك هل تحافظ على نفس الإحساس والبشاشة ؟ هل هذا الوجه يكفّ عن أن يكون إنسانا أم يتحول إلى وجه ذئب ؟ توقعت كل شيء إلا ـن تهاجمني بهذه الطريقة وفي بيتي ودون سابق معرفة أو علاقة. تركت نفسي تنساب داخل الأريكة وتركت عيني تجوس في جمالها وفي ركبتيها وقد انفرجتا قليلا وسمعت صوتا في داخلي يصرخ من هي حتى تتكلم بهذه الطريقة ليتني كنت في مكتبي لاغتصبتها ونزعت ثيابها وبقيت أتفرج على هذا الجمال وهذه الأرداف الممتلئة والعيون البرّاقة والشفاه الدقيقة ، وأدخلت فيها عصا معدّة خصيصا للجميلات . ابتسمت وقلت لماذا كل هذا التحامل ولم ؟ فاجأتني بالسؤال :هل زوجتك تعرف اين تشتغل ؟ فعلا كانت في حالة هجوم وكأنها تريد أن تفرغ ما في جعبتها دفعة واحدة وترحل ، لم أرد ، ظللت أنظر إليها وهي تنتفض في مقعدها وصدرها يعلو وينزل . انتبهت إلى أن ذراعها الأيمن مجبّر ، قلت فرصة للإفلات من هذا الحصار وأن لايبلغ صوتها لزوجتي وأبنائي . لابأس عليك ذراعك ما به ؟ وكأنني نكأت جرحا . قالت ذراعي ؟ ألا تعرف أن أعوانك نهشوني في رحاب الجامعة واعتدوا علي بالضرب وكسرت ذراعي ، تطلقون الكلاب المدرّبة وأعوانك بالعصي والسلاسل والماء والقنابل المسيلة للدموع وتكدّسون الطلبة في سيارات الشرطة وفي أقسام الإيقاف عراة فقط للتسلية أم لهدف سام نحن لانعرفه ؟ . فهمت الان جارتي طالبة اعتدي عليها وعرفت أين اشتغل أو ربما رأتني وجاءت لتنتقم . قلت بهدوء الجامعة للدراسة وليست للتشويش ردت بتهكم للتشويش التشويش وما فهمك أنت بالتشويش ؟ كلما غضبت ازدادت إثارة ، كيف تركها أعواني تفلت . لم ينفع معها الضرب إذن أغبياء لو اغتصبوها لما تجرأت على المجيء الي ولما تكلمت بهذه الحدّة بل لكانت منكسرة تطلب العفو والستر وتلزم ببوشتها وربما انقطعت عن الدراسة وأراحتنا من صوتها واستراحت . واصلت بعد صمت ثقيل : أليس من حقي أن اقاضي من ضربني وكسر يدي ؟ ألقت بحجرة ضخمة في بركة تحاول ن تكون هادئة غير مستفزة سارعت بالقول طبعا نحن في بلد يحترم حقوق الإنسان والحريات العامة والخاصة ، من حقك اللجوء للقضاء ، ولكن هل تعرفين من اعتدى عليك أم ستكون التهمة موجهة لوزير الداخلية ؟ غرست عيناها بقوة في عيني وشعرت بلهيب يخرج منهما محملا بحقد وحنق وغضب زاده اقتران الحاجبين الكثّين صرامة ونهضت : نعم أعرف الفاعل أنت نهضت أعادتها بحدة أنت أذكر جيدا عندما سقطت على الأرض بعد الركل والضرب بالعصا والتزاحم رايتك تهوي بكل ما أوتيت من قوة على ذراعي التي سقطت عليها ولم أستطع أن أستعيدها لالم فيها من أثر السقوط ،تهوي بعصاك وأنا أصرخ وأنت تضرب وتستلذ الضرب في نفس المكان وبكل غل وحقد وأنا اصرخ وأنت تضحك ولم تتوقف عصاك الى ان اغمي علي . مازلت اذكر عينيك واحمرارهما يشبه لون الدم الجامد يشبه لون الكبد الفاسد يشبه الدم المتخثر على الأرض بعد أن تيبس من حرارة الشمس ، وكأن قرنين نبتا في رأسك وأسنانك طالت وأصبحت كأسنان دراكولا تنز قيحا ودما .كل شيء فيك تغيّر ، فقدت ملامح الإنسان ، ترفع يدك وتنزلها علي بكل قوة ، كأنك تجابه عدوا يريد أن يفتك منك أرضك أو حياتك في حين لست أكثر من طالبة تصرخ ضد الظلم وأنت أول المستفيدين منه أن زال . ظلت موجهة إصبع الاتهام إلي بين صحو وإغفاءة رأيتك تبصق علي وتدعك بعصاك نهدي وتدخلها بين فخذي وتدفعها بقوة لماذا ؟ هل استفرغت أوساخك بفعلتك تلك؟ هل تريد أن ترى الجراح والأماكن الزرقاء من شدة الدعك؟ ههه أنت لم تنل شيئا ربما العصا هي التي نالت كل شيء ، بماذا تفكرك كلمة { دعك } لاشك بالعنف ، أنت من عشاق العنف وليس من أجل استتباب الأمن كما تتصور ، أو ربما بأشياء أخرى في عقلك الباطني .. لست هنا لمحاكمتك وإنما لترى فقط كم أنا جميلة ومثقفة ومناضلة وإنني مع الحياة ومثلما أنا في منزلي بين أهلي أنا كذلك في الشارع والجامعة والمكتبات نفس الوجه ونفس الروح ونفس التألق ونفس الاندفاع وأنت تتلوّن كالحرباء لاتستطيع أن تسير في الشارع إلا ومعك العصا، العصا أصبحت جزءا منك تأكل وتنام وتدخل المرحاض وتنام مع زوجتك وهي ممددة إلى جانبك لايمكن أن تشعر بالسعادة أو بالراحة أو بالطمانينة إلا والعصا معك ، أنت لم تعد بشرا أصبحت رقما . ينادونك رقم سبعة المدير يطلبك ، نسوا ونسيت اسمك وظل فقط رقم العصا، يا جماعة اليوم رقم سبعة يغادرنا إلى التقاعد فيتهالك زملاؤك على العصا والله استرحت انظري كم مسمار احتجنا لإصلاحك وكم خيط وكم .. لا تحزني كلنا لها وما دائم الا وجه الله . وتعود إلى بيتك ذليلا محبطا ترتمي على فراشك وتدخل في هستيريا من البكاء وتتلمس الفراش وحزامك والدرج فلا تعثر على العصا تشعر بأن نصفك بل ثلاثة أرباعك بل كلك فاقد للإحساس بدون عصا . وفي الصباح تكتشف زوجتك أنك مت . فتقول للمعزّين رحمه الله عاش بالعصا وللعصا ومات من أجل العصا . تطلب من الإدارة أن تدفن العصا إلى جانبك حتى تشعر بالاطمئنان فتتعلل الإدارة بأن العصا كائن غير عاقل . هل سمعت ، وهل يسمع الميّت ؟ 2020-12-01 محمد صالح بن عمر شاركها ! tweet