وقائع النّدوة التّكريميّة للفيلسوف التّونسيّ محجوب بن ميلاد بنادي قدماء المدرسة الصّادقيّة سنة2001 4) إسهام المناضلين من ذوي الأصل الجزائري في الحركة الوطنيّة التونسيّة : حمّادي الساحلي 16 يونيو,2020 حمّادي الساحلي 1- مدخل تاريخي: كان المغرب الأدنى (تونس) والمغرب الأوسط (الجزائر) ينتميان إلى منطقة جغرافيّة واحدة، عرفت في التاريخ الإسلامي باسم”إفريقية”. وذلك من بداية الفتح إلى نهاية القرن السادس عشر الميلادي. ولم يتمّ فصل الجزائر الشرقيّة عن تونس إلاّ في سنة 1574، إثر تدخلّ الأسطول العثماني، بقيادة سنان باشا لإنقاذ البلاد التونسيّة من ربقة الاستعمار الإسباني. ذلك أنّ الدولة العثمانية قد قرّرت، لأسباب عسكريّة وإستراتيجية، تقسيم إفريقية إلى ثلاث إيالات : طرابلس وتونس والجزائر. لكنّ العلاقات بين الإيالة التونسيّة والإيالة الجزائريّة لم تنقطع قطّ، بل ازدادت وثوقا بعد أن تعرّضت الجزائر للاحتلال الفرنسي سنة 1830. وتبعتها تونس1881، إذ أنّ زعماء الحركة الوطنيّة في كلا البلدين قد آمنوا من أوّل وهلة بضرورة العمل الوطني المشترك وحرصوا على القيام بنشاطهم في الخارج، لا سيما إثر اندلاع الحرب العالمية الأولى، باسم” الشعب التونسي الجزائري” لاعتقادهم بأن القطرين التونسي والجزائري ينتميان إلى أمّة واحدة. هذا وقد هاجرت إلى البلاد التونسيّة، منذ عهد بعيد، عدّة عائلات جزائريّة. وتكثّفت حركة النزوح من الجزائر إلى تونس،إثر الاحتلال الفرنسي في سنة 1830 وبالخصوص بعد إخماد ثورة المقراني في سنة1870. واستقرّ أغلب الوافدين الجزائرييّن في جهات الشمال التونسي، مثل جندوبة وماطر وباجة وبنزرت، وبالخصوص في تونس العاصمة التي يوجد فيها حيّ من أحياء ربض باب سويقة، كاد يكون خاصّا بالجزائريّين، لا سيما منهم أبناء منطقة القبايل (زواوة). وقد قام عدد كبير من المنحدرين من هذه العائلات الجزائريّة بدور بارز منذ نشأة الحركة الوطنيّة في أواخر القرن التاسع عشر وتطورّها خلال النصف الأوّل من القرن العشرين. ومن بين هذه العناصر ذات الأصل الجزائري، نجد مناضلين قد حافظوا على “جزائريّّتهم”،أمثال: إبراهيم إطفيّش وصالح بن يحي وإبراهيم بن الحاج عيسى و محمد الثميني و حسن قلاتي ومحمد العريبي. وفي المقابل نجد مناضلين آخرين من أصل جزائري، مولودين في تونس ومندمجين في الشعب التونسي، أمثال أحمد توفيق المدني وعبد الرّحمان اليعلاوي وعلي بوشوشة و الطيّب بن عيسى وحسن النّوري.هذا بالإضافة إلى العناصر ذات الأصول الجزائريّة الموغلة في القدم، من أمثال : عبد الرحمان الصنادلي وعبد العزيز الثعالبي وحسين الجزيري ومحمد الخضر حسين وعبد الجليل الزاوش والصادق الزمرلي. 1- إسهام الجزائريّين في انبعاث الحركة الوطنيّة التونسيّة: 1 – 1 : جماعة الحاضرة: لما فشلت الحركة المطلبيّة الأولى التي تزعمّها الشيخ محمد السنوسي بتونس العاصمة سنة 1885 وخمدت المقاومة المسلحة سنة1887، اتجه رجال الحركة الإصلاحية اتجاها جديدا مستوحى من تعاليم الشيخ محمد عبده، يرمي إلى نشر التعليم وإحياء الحضارة العربية الإسلامية والابتعاد عن السياسة. ولم تعارض السلطة الفرنسية أصحاب هذا الاتجاه من خريجي المدرسة الصادقية، بل ساعدتهم على إصدار جريدة أسبوعية مستقلة باللغة العربية، وهي جريدة “الحاضرة” التي استمرت في الصدور من سنة 1888 إلى أن توقفت سنة 1911، مع بقية الصحف العربية، إثر حوادث الزلاج. وقد كلّف بإدارة هذه الجريدة، أحد نبغاء المثقفين التونسيين، وهو علي بوشوشة (1859-1917 )المولود في مدينة بنزرت والمنحدر من عائلة ذات اصل جزائري هاجرت إلى بنزرت من مدينة جيجل منذ عهد بعيد. وقد زاول الفتى دراسته الثانوية في المدرسة الصادقية منذ تأسيسها في سنة 1875 .ثم تحول إلى لندن لمواصلة دراسته العليا باللغة الإنجليزية، على نفقة المدرسة الصادقية. وعند انتهاء فترة تعلمه، رجع إلى تونس حيث عهدت إليه الحكومة بوظيفة سامية في الوزارة الكبرى. لكنه تخلّى عنها ليتفرغ لإدارة “الحاضرة” طوال ثلاث وعشرين سنة بلا انقطاع. وبهذه الصفة فان علي بوشوشة يعتبر أول صحافي تونسي محترف. 1 – 2 :الجمعية الخلدونية: لم تمض على صدور “الحاضرة” سوى أقل من عشر سنوات حتى فكّر أصحابها في الشروع في تطبيق برنامجهم الرامي بالخصوص إلى تطوير مناهج التعليم وتلقيحها بالعلوم الدقيقة والتعريف بالحضارة العربية الإسلامية. فاستقر رأيهم على إنشاء جمعية ثقافية تسعى إلى تطبيق البرنامج المذكور. وفي سنة 1896 وافقت الحكومة على القانون الأساسي لهذه الجمعية التي أطلق عليها “الجمعية الخلدونية”، نسبة إلى المؤرخ التونسي الشهير العلاّمة عبد الرحمان ابن خلدون. وقد نظّمت الخلدونية دروسا باللغة الفرنسية ودروسا في اللغة العربية والتاريخ والجغرافيا والرياضيات والعلوم الطبيعية والاقتصاد والفلسفة، أقبل عليه طلبة جامع الزيتونة إقبالا منقطع النظير . كما أسست مكتبة عمومية زاخرة بالكتب والمصنفات والدوريات ونظّمت محاضرات للعموم قصد التعريف بالحضارة العربية الإسلامية. ومن الشخصيات التي تداولت على رئاسة الجمعية الخلدونية، بالإضافة إلى مؤسسها زعيم النهضة الفكرية التونسية البشير صفر (1865-1917) ،نذكر بالخصوص ثلاثة رؤساء من ذوي الأصل الجزائري هم: علي بن أحمد قلاتي (سنة1899) وعبد الجليل الزواش (1910- 1919 ) وحسن قلاتي (1920). ونظرا إلى ما أحرزته الخلدونية من نجاح باهر ، تأسست في مطلع القرن العشرين عدّة جمعيات ثقافية ورياضية تونسية نخص بالذكر منها : جمعية قدماء المدرسة الصادقية والجمعية الخيرية الإسلامية (1907) والجمعية الرياضية الإسلامية (1905) والجمعية الرياضية والموسيقية الناصرية (1907). كما صدرت منذ العقد الأخير من القرن التاسع عشر عدّة صحف تونسية ناطقة باللغة العربية، من اشهرها جريدة ” الزهرة ” التي سيكون لها شأن عظيم في تاريخ الصحافة التونسية. وصاحب هذه الجريدة هو الشيخ عبد الرحمان الصنادلي (1850-1935) : وقد ولد بتونس سنة 1850 في أسرة جزائرية هاجرت إلى البلاد التونسية قبل انتصاب الحماية سنة1881. وبعد آن زاول دراسته بجامع الزيتونة، تحول إلى القاهرة حيث التحق بجامع الأزهر لمواصلة دراسته العليا. وإثر عودته إلى تونس، أصدر سنة 1890 جريدة نصف أسبوعية أطلق عليها اسم “الزهرة”. وقد عطلتها السلطة الاستعمارية مرتين بسبب مواقفها الوطنية. ثم عادت إلى الظهور في شكل جريدة يومية مسائية. وكانت الجريدة الوحيدة التي نجت من التعطيل إثر حوادث الزلاج (7 نوفمبر 1911 ). واستمرت “الزهرة ” في الصدور حتّى بعد وفاة صاحبها سنة 1935إذ خلفه ابنه محمد الصنادلي الذي جعل منها منذ الأربعينات لسان حال الحزب الدستوري الجديد شبه الرسمي. وتواصل ظهورها حتى سنة 1959 ، باستثناء بعض فترات التعطيل الإداري . وفي سنة 1904 صدرت في تونس أوّل مجلة ثقافية إسلامية هي “السعادة العظمى” لصاحبها الشيخ محمد الخضر حسين ( 1875- 1958 ) وهو من مواليد نفطية، ينحدرمن عائلة اصلها من الجنوب الجزائري، هاجرت إلى تونس إثر احتلال الجزائر. وقد زاول دراسته بجامع الزيتونة ثم تولى التدريس بنفس المعهد وفي المدرسة الصادقية ،كما تولى القضاء الشرعي في بنزرت. وقد هاجر تونس في سنة 1912 لمقاومة الاستعمار بالخارج. وقام بنشاط وطني متميّز في كل من تركيا وألمانيا وسويسرا، بالاشتراك مع المهاجرين التونسيين ومن بينهم الإخوان علي ومحمد باش حانبة والشيخان صالح الشريف الجزائري الأصل وإسماعيل الصفايحي القاضي الحنفي سابقا. 1 -3 :حركة الشباب التونسي: ابتداء من سنة 1906 اتجهت الحركة الوطنية إلى تقديم بعض المطالب الرّئيسية المعتدلة. وإثر تعيين البشير صفر عاملا بسوسة تزعم الحركة – وقد أصبحت تعرف بحركة الشباب التونسي- المحامي الشاب علي باش حانبة (1876-1918) .وقد أصدر يوم 7 فيفري 1907 جريدة “التونسي” الناطقة بالفرنسية لإبلاغ صوت الحركة إلى الحكومة الفرنسية. ورغم اتسام الجريدة بالاعتدال، فقد أثارت حفيظة الاستعماريين الذين شنّوا عليها حملة شعواء وطالبوا الحكومة بتعطيلها. استغلت السلطة الاستعمارية حوادث الزلاج (7 نوفمبر 1911) وحركة مقاطعة الترامواي بمدينة تونس (مارس 1912)، للقضاء على الحركة. وذلك بإلقاء القبض على سبعة من زعمائها، أبعد منهم أربعة إلى الخارج، من بينهم ثلاثة من أصل جزائري : الثعالبي وقلاتي والزمر لي. والجدير بالملاحظة أيضا أنّ أربعة أعضاء من مؤسسي حركة الشباب التونسي ينحدرون من عائلات ذات أصل جزائري هم : حسن قلاتي وعبد الجليل الزاوش وعبد العزيز الثعالبي والصادق الزمرلي . أ – حسن قلاّتي (1880-1966): ولد في قصر البخاري بالجزائر سنة 1880. وانتقل والده في السنة الموالية إلى تونس حيث عين مترجما في المحكمة الفرنسية. وقد نشأ ابنه حسن في تلك المدينة. وزاول دراسته الثانوية بمعهد كرنو ودراسته العليا بتولوز، إلى آن أحرز الإجازة في الحقوق سنة 1902. وتعاطى بعد ذلك مهنة المحاماة بكفاءة فائقة حتى أصبح من كبار المحامين في تونس. وانضم حسن قلاتي إلى حركة الشباب التونسي ، بقيادة صديقه علي باش حانبه. وساهم في تحرير جريدة “التونسي” مساهمة ملحوظة. وقد ألقت عليه السلطة الفرنسية القبض يوم 12 مارس 1912 مع بقية قادة الحركة. وأبعدته إلى الجزائر. ثم عاد إلى تونس، بعد رفع قرار الإبعاد. ب – عبد الجليل الزاوش (1873-1947): ينتمي هو أيضا إلى أسرة جزائرية هاجرت إلى البلاد التونسية منذ عهد بعيد. وقد ولد بمدينة تونس سنة 1873. وزاول دراسته الثانوية في معهد كارنو بتونس ودراسته العليا في جامعة باريس، حيث أحرز الإجازة في الحقوق. وبعد عودته إلى تونس، اهتمّ خاصّة بالنشاط الاقتصادي. فساهم في بعث عدة مؤسسات وشركات اقتصادية. وشارك مشاركة ملحوظة في الحياة لسياسية والاجتماعية و الثقافية، إذ تولّى رئاسة الجمعية الخلدونية من سنة 1910 إلى سنة 1919 وانخرط في جمعية قدماء الصادقية منذ تأسيسها سنة 1905، كما انضم إلى حركة الشباب التونسي وساهم في تحرير جريدة “التونسي” الناطقة باللغة الفرنسيّة. وساهم أيضا، باسم الحركة، في المؤتمر الاستعماري المنعقد في باريس سنة 1908. وانفصل عبد الجليل الزاوش عمليّا عن حركة الشباب التونسي، إثر تعيينه عضوا في مجلس بلدية تونس وعضوا في المجلس الشوري. ج- عبد العزيز الثعالبي (1876-1944): ينحدر عبد العزيز الثعالبي، المولود بتونس سنة 1876، من عائلة جزائريّة مشهورة بالعلم والصلاح. وقد هاجر جدّه عبد الرحمان إلى تونس إثر استيلاء فرنسا على الجزائر سنة 1830. والتحق الشاب عبد العزيز بالزيتونة حيث زاول دراسته على نحو غير منتظم. ثم انقطع عن التعليم مفضلا الدخول مباشرة إلى معركة الحياة. فأصدر في آخر سنة 1895 جريدة “سبيل الرشاد” التي سرعان ما عطلتها السلطة الفرنسية بسبب اتجاهها الوطني. فغادر الثعالبي البلاد التونسية خلسة، متجها إلى طرابلس ثمّ إلى مصر حيث أقام من الزمن. وزار بعد ذلك بعض البلدان العربية والأروبّية. ثم عاد في سنة 1902 غلى مسقط رأسه حيث تفرغ إلى الوعظ والإرشاد والدعوة إلى الإصلاح. فرفعت به دعوى بتهمة التطاول على الدين الإسلامي. وأصدرت عليه المحكمة الابتدائية في 23 جويلية 1904 حكما بالسجن لمدة شهرين. وفي سنة1907 انضم الشيخ عبد العزيز الثعالبي إلى حركة الشباب التونسي. وبعد ذلك بسنتين كلف برئاسة تحرير النشرة العربية من جريدة “التونسي”. وفي يوم 13 مارس1912، أبعدت السلطة الفرنسية أربعة من قادة الحركة من بينهم الثعالبي الذي تحوّل، صحبة علي باش حانبة، إلى فرنسا ثم إلى تركيا. وعاد إلى تونس في سنة 1914 إثر رفع قرار الإبعاد، في حين بقي علي باش حانبة في تركيا نهائيا. د- الصادق الزمرلي (1885-1983): ينتمي الصادق الزمرلي إلى عائلة من أصل جزائري وفدت إلى تونس قبل انتصاب الحماية في سنة 1881. وقد ولد بمدينة تونس في سنة 1884 أو 1885. وزاول دراسته بالمدرسة الصادقية مدّة بضع سنوات. فاكتسب زادا لا بأس به من الثقافة الأساسية العربية والفرنسية. ثمّ انضم إلى حركة الشباب التونسي منذ إنشائها في سنة 1907. وساهم في تحرير النشرتين العربية والفرنسية من جريدة “التونسي”. وشارك في المؤتمر الاستعماري المنعقد في باريس سنة 1908. وقدم بحثا قيما حول “تعليم البنت المسلمة”. وفي مارس 1912 ألقي عليه القبض صحبة قادة الحركة. وأبعد إلى الجنوب التونسي. وبعد أشهر قليلة عاد إلى تونس، بعد رفع قرار الإبعاد. 3- إسهام المناضلين من ذوي الأصل الجزائري، في الحزب الحرّ الدستوري التونسي: أقبل عدد كبير من الجزائريّين و التونسيّين من ذوي الأصول الجزائريّة إلى الانخراط في الحزب الحرّ الدستوري التونسي منذ تأسيسه في شهر مارس 1920. وقد انتخب عدد منهم في هياكل الحزب، سواء منها المركزية أو الجهوية أو المحلية. من ذلك أن اللجنة التنفيذية للحزب التي انتخبت سنة 1921 قد ضمّت بالإضافة إلى الشيخ عبد العزيز الثعالبي الذي يعتبر مؤسس – الحزب الدستوري- ثلاثة أعضاء من أصل جزائري، هم : أحمد توفيق المدني (بصفة كاتب عام مساعد) والطيّب بن عيسى وصالح بن يحي. ه – أحمد توفيق المدني( 1899-1983): ولد بمدينة تونس يوم أوّل نوفمبر 1899 في أسرة جزائريّة هاجرت إلى البلاد التونسية بعد احتلال الجزائر سنة 1830. وزاول دراسته بجامع الزيتونة والخلدونية. وقد بدأ نشاطه الوطني في سنة 1914، وعمره لا يتجاوز خمس عشرة سنة. فزجّ به في السجن صحبة رفيقه حسين الجزيري الجزائري الأصل، هو أيضا. ولم يفرج عنه إلاّ في سنة 1914. فانضمّ إلى الحزب الدستوري منذ إنشائه سنة 1920. وانتخب كاتبا عاما مساعدا للقلم العربي في سنة 1921. واشتهر بمقالاته الثوريّة المنشورة في مختلف الصحف التونسيّة الوطنيّة. واضطرّت السلطة الاستعمارية إلى إبعاده إلى الجزائر في جوان 1925، بدعوى أنّه من أصل جزائري. و- الشيخ صالح بن يحي: هو من مواليد وادي ميزاب بالجزائر، قدم إلى تونس في سنة 1917 ضمن البعثة العلميّة الميزابية الأولى. و بعد أن أتمّ دراسته بجامع الزيتونة تعاطى التجارة و تعرّف إلى الشيخ عبد العزيز الثعالبي الذي دعاه إلى الانضمام إلى الحزب الدستوري. فالتحق بصفوفه. وكان يمثّل فيه الشقّ المتصلّب الذي يطالب بالاستقلال، صحبة المناضل أحمد توفيق المدني والشيخ محمد الريّاحي. وقد قام في سنة 1920 بجولة في الجزائر، وبالخصوص في منطقة واد ميزاب، لجمع التبرّعات لفائدة الحزب الدستوري التونسي. وهكذا فقد تخلّى عن نشاطه التجاري للتفرّغ لنشاطه السياسي. وفي شهر جويلية 1920 ألقي عليه القبض. وأودع السجن صحبة الشيخ عبد العزيز الثعالبي والشيخ محمد الريّاحي بتهمة “التآمر على أمن الدولة”. وبعد الإفراج عنه في شهر ماي 1921، انتخب عضوا في اللّجنة التنفيذيّة للحزب. ز- الطيّب بن عيسى( 1885-1965): ولد بتونس سنة 1885 في أسرة جزائريّة الأصل. وبعد انتهاء دراسته بالزيتونة والخلدونيّة، اقتحم ميدان النشاط الصحفي. فأصدر في مطلع سنة 1911 جريدة “المشير” التي احتجبت في شهر نوفمبر من نفس السنة، مثل بقية الصحف العربيّة، إثر حوادث الزلاّج. وبعد انتهاء الحرب العالميّة الأولى، أعاد إصدار جريدته في سنة 1920. لكنّ السلطة عطّلتها بعد مدّة قصيرة من ظهورها. فأصدر إثر ذلك جريدة “الوزير” التي استمرّت في الظهور عدّة سنوات. والتحق بالحزب الدستوري منذ تأسيسه. وعيّن عضوا في اللّجنة التنفيذيّة. ولكن سرعان ما انفصل عن الحزب لينضمّ إلى”الحزب الدستوري المستقل” الذي لم يعمّر مدّة طويلة، مثل الحزب الإصلاحي الذي أنشأه حسن قلاّتي سنة 1921 . ومن بين مناضلي الحزب الدستوري الآخرين ذوي الأصل الجزائري نذكر على وجه الخصوص الشيخ إبراهيم إطفيش ( 1886-1965) الذي يعتبر من روّاد النضال الوطني في المغرب العربي والشيخ إبراهيم بن الحاج عيسى، الملّقب بأبي اليقظان، (1888-1973) والمناضل عبد الرحمان اليعلاوي، الجزائري الأصل، المولود بمدينة سوق الأربعاء (جندوبة) والمجاهد حمّودة بن ميهوب، رئيس الشعبة الدستورية بماطر. وقد تعرّض جميع هؤلاء المناضلين إلى القمع والاضطهاد والتعسف. فأصدرت السلطة الاستعماريّة في سنة 1923 قرارا يقضي بإبعاد الشيخ إبراهيم طفيش من تونس بسبب نشاطه الوطني. ومنعته من العودة إلى بلاده الأصليّة، الجزائر. فاستقرّ في القاهرة. وتواصلت بعد ذلك قرارات الإبعاد التي اتخذت ضدّ الشيخ صالح بن يحيى. فشملت عضوين آخرين من أنشط المناضلين الدستوريين هما أحمد توفيق المدني وعبد الرحمان اليعلاوي اللذان أبعدا إلى الجزائر على التوالي في جوان وديسمبر 1925. 2- نشاط المناضلين الجزائريين في الحزب الدستوري الجديد: ما إن انبعث الحزب الدستوري الجديد 2 مارس 1934 وانفصل عن اللّجنة التنفيذية التي أصبحت تعرف باسم “الحزب الدستوري القديم”، حتى أقبل عدد من المناضلين ذوي الأصل الجزائري على الالتحاق به، نذكر من بينهم الصحافي الطيّب بن عيسى، صاحب جريدة “الوزير” الذي انفصل عن اللّجنة التنفيذية منذ عدّة سنوات. وقد انتخب عضوا في المجلس الملّي، أثناء مؤتمر الحزب الدستوري الجديد المنعقد بتونس في سنة 1937، كما برز في صفوف هذا الحزب الشاعر الجزائري الثوري محمد العيد الجباري (1911-1942) الذي ساهم بمقالاته وقصائده في جريدة الحزب “العمل” وعيّن رئيسا بمنظّمة “الشبيبة الدستورية” التابعة للديوان السياسي، كما سعى إلى تكوين “جمعية شباب شمال إفريقيا” على اعتبار أنّ الشمال الإفريقي وحدة لا تتجزأ. وقد أودع الشاعر في السجن عدّة مرّات. ثمّ أبعد إلى بلدة بن قردان في الجنوب التونسي، رغم تدهور حالته الصحيّة. وذلك إثر حوادث سبتمبر 1934. ولمّا لاحظت السلطة الاستعمارية صموده وصبره على تحمّل شتّى أنواع العذاب، نقلته إلى برج البوف في أقصى الجنوب للالتحاق بقادة الحزب الدستوري الجديد، إمعانا في التنكيل. وإثر سراح المساجين السياسيين في مارس 1936، قرّرت حكومة الحماية إبعاد محمد العيد الجباري إلى الجزائر بدعوى أنّه من أصل جزائري. وبعد مدّة سمحت له بالعودة إلى تونس. ثمّ أبعدته من جديد إلى الجزائر في سنة 1939، بتهمة المشاركة في أعمال الشغب. فاستغلّ فرصة اندلاع الحرب العالميّة الثانيّة، للفرار من السجن والعودة إلى تونس خفية. ولم تمض مدّة طويلة على عودته حتّى تفاقم مرضه الذي أودى في آخر الأمر بحياته يوم 12 أكتوبر 1942. حسن النوري ( 1905-1939): يعدّ حسن النوري من كبار المناضلين الدستوريين في مدينة بنزرت. وقد بدأ نشاطه في سنة 1933، بالمشاركة في المظاهرات التي نظّمها الوطنيون في بنزرت للاحتجاج على دفن المتجنسين بالجنسية الفرنسية بالمقابر الإسلامية. ثمّ انضمّ إلى الحزب الدستوري الجديد منذ تأسيسه سنة 1934، إثر انعقاد مؤتمر قصر هلال الذي مثّل فيه الشعبة الدستورية ببنزرت الزعيم الحبيب بوقطفة صديق حسن النوري الحميم. وقد سجن النوري بسبب مشاركته في حوادث سبتمبر 1934 إثر اعتقال قادة الحزب الدستوري الجديد، في عهد الطاغية بروطون. وبعد أن أفرج عنه في سنة 1936، استأنف نشاطه الوطني في الشعبة الدستورية ببنزرت. ولمّا بعثت “جامعة عموم العملة التونسية الثانية” في جوان 1937، بقيادة بلقاسم قناوي، انضمّ إليها حسن النوري وأصبح ممثلا لها في منطقة بنزرت. وعلى إثر إضراب عملة الماتلين يوم 2 أوت 1937 ثمّ إضراب عملة منزل جميل يوم 5 سبتمبر 1937، ألقت السلطة الفرنسية القبض على حسن النوري. ثمّ أبعدته إلى الجزائر يوم 4 جانفي 1938، بدعوى أنّه من أصل جزائري. فانتظمت يوم 8 جانفي مظاهرة في بنزرت للاحتجاج على هذا القرار التعسفي، أسفرت عن قتل ستة عملة وجرح عدد كبير من المتظاهرين. وفي الجزائر استأنف حسن النوري نضاله ضمن حزب الشعب الجزائري. فزجّت به السلطة في السجن حيث تعرّض لشتّى أنواع التعذيب، إلى أن تعكرت حالته الصحيّة، فنقل إلى المستشفى عاصمة الجزائر، حيث وافته المنيّة يوم 21 نوفمبر1939 وقد جلب رفاته من الجزائر إلى تونس، حيث انتظم بهذه المناسبة موكب خاشع في قصر الرياضة بالمنزه، بإشراف الرئيس الحبيب بورقيبة، يوم 9 افريل 1968. ومن بين الوطنيين الجزائريين الذين ناضلوا في صفوف الحزب الدستوري الجديد، نذكر أيضا الشاعر الموهوب والأديب الملتزم محمد العريبي(1917-1946)، الذي يعدّ من أبرز جماعة “تحت السور”. فقد غادر جامع الزيتونة قبل إتمام دراسته. وساهم في تحرير عدّة صحف تونسية، من بينها “الزمان” و”السرور” و”الوطن” و”العالم الأدبي”. ثمّ تولّى رئاسة تحرير الصحيفة الهزلية الموالية الحزب الدستوري الجديد “صبرة”، التي صدر عددها الأولّ في 27 أفريل 1937. وقد تعطّلت إثر حوادث 9 أفريل 1938، مثل جميع الصحف الدستورية. وألقي القبض على رئيس تحريرها محمد العريبي الذي قضّى في السجن سبعة أشهر. تلك هي بعض الجوانب من نضال المهاجرين الجزائريين بتونس والوطنيين التونسيين من ذوي الأصل الجزائري وما تعرّضوا له من شتّى ألوان القمع والإبعاد ومختلف أنواع التنكيل والاضطهاد، في سبيل استقلال تونس وتحرير المغرب العربي بأسره. 2020-06-16 محمد صالح بن عمر شاركها ! tweet