رحلتي الى باريس في مارس 2019 (1): في بيت الفيلسوف العصاميّ جان جاك روسّو (1712 – 1779) بقرية مونمورنسي في فرنسا 21 أبريل,2019 t كان جان جاك روسّو يستقبل في بيته أفواجا من الكتّاب والموسيقيّين والرّسّامين وأهل المسرح .لذلك كان حذرا جدّا .وهو ما جعله يؤلّف كتابه الموسوم ب”من العقد الاجتماعيّ “في هذا الجناح الصّغير الكائن في ركن قصيّ داخل حديقته خشية أن يصل خبره إلى الحكّام لم يكن بيتُ الفيلسوف جان جاك روسو مسكنًا متواضعًا وكفى بل كان بمنزلةِ مأوى زاهدٍ ما أروعَ الاندفاعَ الذي كنتُ أجري به كلَّ صباحٍ عند بزوغِ الشّمسِ وأنا أستنشقُ الهواءَ العَطِرَ في البهوِ المُعمَّدِ !ما ألذَّ القهوةَ باللّبنِ التي كنتُ أشربُها رفقةَ شريكةِ حياتي تيريز وليسَ معنا إلاّ قطّتي وكلبي . ذلكَ الموكبُ وحدهُ كان يكفيني طيلةَ حياتي دون أن أحسَّ أبدًا ولو في لحظةٍ بالقلقِ .فهناكَ كنتُ في الجنّةِ الأرضيّةِ أعيشُ بذلك القَدْرِ من البراءةِ وأتذوّقُ طعمَ السّعادةِ نفسِها جان جاك روسّو – من كتاب” الاعترافات” كثيرون هم الذين يخلطون عندنا بين ” أستاذ الفلسفة” و”الباحث في الفلسفة” و”الفيلسوف” والحال أنّ لكل واحد من هؤلاء دورا محدّدا يختلف تماما عن دوري الآخريْن. فإذا كان دور الأوّل هو الاضطلاع بالوساطة بين مصادر المعرفة الفلسفيّة والمتعلّمين ودور الثّاني هو دراسة تلك المعرفة فإنّ الثّالث هو الذي يضع نظرية فلسفيّة تحمل اسمه ويعترف بها المتخصصّون في هذا الميدان.وذلك دون أن ننفي إمكان أن يكون أستاذ الفلسفة أو الباحث في الفلسفة أحيانا في الوقت نفسه فيلسوفا. ويمكن القول إنّ مصطلح” الفيلسوف” ينطق تماما على جان جاك روسّو، لأنّه لن يتلقّ أيّ دروس في الفلسفة .فمنذ طفولته الأولى عاش حياة التّشرّد .فقد فقد أمّه منذ اليوم التّاسع من ولادته ثمّ حُرم من رعاية والده وهو في سنّ التّاسعة، إذ فرّ أبوه إلى خارج البلاد لينجو من تتبّع قضائيّ. ولقد كان روسو حتّى سنّ السادسة والثّلاثين مجهولا في الأوساط الفلسفيّة.ثمّ عُرف اسمه فجأة سنة 1749عند صدور كتابه الموسوم بخطاب في العلوم والفنون الذي دافع فيه، خلافا لمفكّري عصره ومفكّري القرن السّابق ،عن فكرة محصّلها أنّ التّقدّم العلمي والتّقنيّ لا يؤدّي إلى إسعاد الإنسان بل إلى إقامة مجتمع بورجوزايّ ( وهو أوّل من استعمل هذا اللّفظ من الفلاسفة )سماتُهُ التّفاوتُ والأنانيّةُ وتناقص الفضيلة . وبعد ستّ سنوات نشر كتابه خطاب في أساس التّفاوت وأصولِهِ الذي تبنّى فيه فرضيّة مفادها أنّ الإنسان طيّب بالطّبع لكنّ المجتمع يفسده. هذان الكتابان أتبعهما سنة 1762بكتاب ثالث عنوانه من العقد الاجتماعيّ ذهب فيه إلى “أنّ السّلطة الشّرعية لممارسة الحُكْم لا تُستمدّ مباشرة من لقب إلهيّ أو من حقّ طبيعيّ بل ينبغي أن يسمح بها المحكومون ويوافقوا عليها “.وهو ما عُدّ أوّل دعوة في الغرب إلى تقويض النّظام الإقطاعيّ وإقامة النّظام الدّيمقراطيّ مكانه.وهذا ما جعله مرفوضا وملاحقا في فرنسا. أمّا المتحف الذي يحمل اسمه فهو يوجد في قرية مونمورنسي التّابعة لمحافظة فال دواز.وهي تبعد حوالي ثلاثة عشر كيلومترا عن باريس وتنتصب فوق ربوة صخريّة.وللوصول إليها من باريس يُستعمل أوّلا المترو حتّى محطّة الشّمال ثمّ القطار بين المدن حتّى مدينة أنقيان لي بان ثمّ بالحافلة .لكنّي لمّا كنت من هوّاة المشي فقد فضّلت حين وصلت الى مدينة أنقيان لي بان أن أذهب إلى قرية مونمورنسي سيرا على قدميّ .فبقيت في الطّريق ساعة إلاّ ربعا ثمّ كان لا بدّ من صعود الرّبوة لكي أدرك بيت جان جاك روسو القائمة في أعلاها. كان هذا المتحف في الأصل بيتا صغيرا متواضعا قي حالة مترية على ملك نائب عامّ جبائيّ يدعى جاك جوزيف ماتاس فسوّغه لروسو بسعر منخفض بعد أن أطردته الأديبة السّيّدة ديبيناي التي كانت تأويه على وجه الضّيافة في بيتها بالحيّ نفسه. قضّى الفيلسوف روسّو في هذا البيت الجديد خمس سنوات ثمّ عاد إلى حياة التّرحال والتّشرّد التي اعتاد عليها ،إذ كان لا بدّ له من تغيير محلّ سكناه لينجو من المؤامرة التي كانت تحاك ضدّه بسبب أفكاره الجريئة ، تلك الأفكار التي جعلت منه أحد المنظّرين الرّئيسين للثّورة الفرنسيّة ، ثورة 1789 العظيمة . 2019-04-21 محمد صالح بن عمر شاركها ! tweet