أرشيف تعاليق محمّد صالح بن عمر النّقديّة على الشّعر:12 : قصائد فطيمة معاوية: 12- 1: يا أشقّاءُ يا بَشَرُ 13 يناير,2019 فطيمة معاوية – شاعرة تونسيّة جزائريّة – تونس 9 يا أشقّاءُ يا بَشَرُ يا أصحابَ البطونِ المملوءةِ طعامًا والأفواهِ المليئةِ لعناتٍ على سبرْتا وأثينا يا أشقّاءُ يا بَشَرُ يا أيّها الذين تأكلون بكلتا يديْكم لَحْمَ أهلي وذويًّ بفضلِ صندوقِ النّقدِ الدُّوَليّ والأممِ الشّبعانةِ المتّحدةِ أناشدُكُمِ اللهَ ألاّ تكونَ أسنانُكمْ صُلبةً وقلوبُكمْ قاسيةً ضدَّ “لا” وضدَّ اليونانِ “لا” تواصلُ التّمسّكَ برأيها لتُمسكَ بزمامِ مصيرِها “لا” نجمةُ الزُّهْرةِ أمسكتْ بعصاها، عصا الحجِّ ضدَّ مُقشّري الكُلَى وضدَّ هوّاةِ العظامِ والشّحمِ المكتنزِ لكي تولدَ البشريّةُ غدًا خارجَ شباكِهمْ وبعيدا عن مزابِلهمْ إجمالاً ما هو ثابتٌ في هذه الأوقاتِ القذرةِ الزائدةِ على النّصابِ أنّ ” لا” بهيئتها الأجنبيَّةِهذه، هيئةِ الرّاعيةِ الإغريقيّةِ قد وجدتْ آذانًا صاغيةً يا “لا” ضعي النّقطَ على الحروفِ ضعي نقطةً على الياءِ فمنْ يضغطُ على جُمعيْ يديْهِ ويبذلُ كلَّ ما في وسعِهِ من أجلِهِا ويقولُ ل”لا” : ” نعم ” ؟ عمومًا يا أبنائي هذا لبُّ القضيّةِ : لا تكن فريسةً للمُستكرشينَ لا تأكلِ الخبزَ اليابسَ لا تقلْ : شكرًا للّذين ينبحونَ وهم جلوسٌ أفهل فهمتَ؟ فلتتصرَّفْ إذنْ مع الشّكر لقد ابتهجت الشّاعرة أيما ابتهاج لنتيجةُ الاستفتاء الذي انتظم يوم الخامس من شهر جويلية/يونيو في اليونان لمعرفة موقف شعبه من المقترحات التي عرضتها عليه المؤسّسات العالميّة الدّائنة واشترطت فيها عليه المزيد من إجراءات التّقشّف لمواصلة مدّ يد المساعدة إليه . فقد تقبّلت شاعرتنا جوابه عن تلك المقترحات ب” لا”” ( oxi) على أنّه الموقف الأنسب ضدّ هيمنة الرأسماليّة العالميّة على اقتصاد البلدان الفقيرة وضدّ أهدافها الجشعة الرّامية إلى استعباد شعوب هذه البلدان .والذي زاد في هذه الحماسة الفيّاضة لدى الشّاعرة أنّها رأت في تلك ال”لا” مثالا ينبغي أن تحتذيه بلادها تونس التي تتخبّط في أوضاع اقتصاديّة لا تقلّ عن أوضاع اليونان تدهورا ( يا أشقّاءُ يا بَشَرُ/ يا أيّها الذين تأكلون بكلتا يديْكم/ جِلْدَ أهلي وذويًّ / بفضلِ صندوقِ النّقدِ الدُّوَليّ/ والأممِ الشّبعانةِ المتّحدةِ )، يضاف إلى ذلك – وهو ما يتعيّن قوله هنا – أنّ الجهة التي صدر عنها هذا الموقف الرّافض في اليونان ودعت الشّعب إلى اتّخاذه هي الحكومة نفسها ذات التّوجّه اليساريّ.وهو التّوجه السّياسي ذاته لصاحبة القصيدة .وثمّة يظهر جليّا تبنّيها الحلّ الذي تقدّم به اليسار التّونسيّ لمعالجة الأزمة الاقتصاديّة بالبلاد .وهو المطالبة بإعادة جدولة الدّيون الخارجيّة المتخلّدة بذمّة الدّولة وبامتناعها عن الدّفع فترة معيّنة .على أنّ هذا النّصّ لا يستمدّ قيمته فحسب من محتواه الدّلاليّ، لأنّ الأفكار التي تعبّر عنها الشّاعرة يشترك فيها معها عدد مهّم من مواطنيها وإنّما أيضا من جانبها الفنّيّ الذي يتميّز بأسلوب فريد حقّا لا يمكن وصفه إلاّ بأنّه أسلوب ” فَطيميّ” لأنّ قسماته مفارقة لأيّ منوال، فضلا عن حضورها في جميع نصوص الشّاعرة بلا استثناء . وهو ما يسمح لها عمليّا بنشر قصائدها دون إمضاء.ولعل أكثر هذه القسمات تردّدا الهياج الذي ينتاب السّلسلة الكلاميّة من بداية النّصّ إلى نهايته ، فيجزّئه في وقت واحد وفق حالة منشئة الخطاب الانفعاليّة (تحمّس –استنهاض همم – سخرية كما في قولها : “ يا أشقّاءُ يا بَشَرُ “، “الأممِ الشّبعانةِ المتّحدةِ) والإيقاع بنوعيه : الخارجيّ ( القوافي خاصّة) والدّاخليّ ( التّكرار كتكرار حرف”لا” مرارا – والتّناسب التّركيبيّ كما في قولها : ” لا تكن فريسةً للمُستكرشينَ/لا تأكلِ الخبزَ اليابسَ/ لا تقلْ : شكرًا ) .والنّتيجة النّهائيّة هي خطاب متفجّر وموغل في الرّقص يأخذ بلبّ القارئ ويشّد انتباهه إليه شدّا، من أوّل بيت في القصيدة إلى آخر بيت منها .إنّها لتحفة جديدة تضاف إلى تحف الشّاعرة السّابقة .فتهانينا لها ! 2019-01-13 محمد صالح بن عمر شاركها ! tweet