حوارات مجلّة “مشارف” :23 – مع الشّاعرة السّورية هالا الشّعار 15 ديسمبر,2018 هالا الشّعار ولدت هالا الشّعار في 5 أيّار/ماي 1960 بمدينة السّلميّة في محافظة حماة (سورية) .زاولت دراستها بكلّ مراحلها في دمشق. تحمل إجازة في علم النفس ودبلوما في التّأهيل التّربويّ.لها خبرة في التّدريب على العلاج السّلوكيّ .تعمل مرشدة نفسيّة بدمشق .تجيد اللّغتين الألمانيّة و الإنكليزيّة .أمّا شعرها و إن كان يمتح من المعين نفسه الذي يصدر عنه معظم الشّعراء السّوريين المعاصرين – وهو المأساة الأليمة التي حلّت بشعبهم تنفيذا لمؤامرة حاكت خيوطها الدّول الامبرياليّة بتواطؤ مع بعض الدّول العربيّة – فهو يلفت الانتباه بالاستدعاء المكثّف للرّموز من الأساطير الشّرقيّة وتنقية اللّغة من الدّلالات المرجعيّة وحشد المعاني الإيحائيّة مع بقائه على صعيد الأغراض لصيقا بالواقع المعيش المتأزّم. صدرت لها عن دار الينابيع بدمشق سنة 2016 مجموعة شعريّة عنوانها سلالة السّرو السّؤال الأوّل : كلّ الشّعراء السّوريّين الذين ينتمون إلى فريقنا الشّعريّ العالمي يكتبون قصيدة النثر.فهل هذا الأمر مصادفة أم هل هو اتّجاه شبه وطنيّ في كتابة الشّعر عندكم قوامه الوفاء لمحمّد الماغوط وأدونيس؟ هالا الشّعار : الأمر ليس مصادفةً أبداً حاولت كتابة القصيدة العموديّة فتأثّرت الصّورة الشّعريّة التي كانت تتدفّق عادةً دون معاناة وصرت أحشر صورتي في زاوية ضيّقة من زوايا القصيدة لأنّ الأولويّة كانت للرّتم والقافية وكانَ أن كتبت نصّاً لا يشبهني أبداً. ما من شكّ في أنّ تجربةَ الماغوط حاضرةٌ بقوّةٍ في ما أكتب .كذلك لا أستغني أبداً عن المتابعة الحثيثة لمقولات وأدب أدونيس وأدبه. قد أكتب ذات يومٍ نظماً موزوناً .لكن مهما حاولت تظلُ قصيدةُ النّثرِ أقدر على إخراج مكنونات ذاتي مع الاحترام الكبير للإرث الشّعريّ العموديّ الذي أَتَزوّده يومياًّ . السّؤال الثّاني : توظّفين على نحو مكثّف في شعرك الرّموز المستدعاة من الأساطير و الأديان الشرقيّة الوثنيّة والسّماويّة ولا تكادين تلتفتين إلى أساطير الأمم الأخرى على الرّغم من أنّ العالم أصبح قرية .فهل هو اختيار منك لمجرّد أنّك شاعرة شرقيّة ؟ هالا الشّعار : الأسطورة الشّرقيّة عالميّ.ة ناهيك أنّ معظم أساطير الشّعوب لها جذور شرقيّة. وهذا ما أكّدته أبحاث التّاريخ والانترأولوجيا والأسطورة بشكل عامّ حاضرة في نثريّ خاصةً الأسطورة السّومريّة والكنعانية و اليونانيّة و قد يكون السّبب أن النموذج الأسطوريّ الشّرقيّ حاضرٌ في ذهني ويلائم النّسق السّرديّ أو الفكرة .وبما أنّني غزيرة الاطّلاع عليهاأي السّومريّة والبابليّة والكنعانيّة و اليونانيّة تحديداً ربَّما مستقبلاً أضيف المزيد من أساطير بقيّة الشّعوب. السّؤال الثّالث : تخضع قصيدة النّثر كما نظّرت لها سوزان برنار ومن بعدها أدونيس لشرطين رئيسين ، فضلا عن التّوهّج (أي الإبهار). وهما اللاّزمنيّة أي غياب السّرد أو الحكي تماما داخل القصيدة والاقتضاب الشّديد .لكنّنا نجدك في قصائدك تروين أحيانا أحداثا ، كما أنّ معظم قصائدك ليست بالقصيرة بل هي متوسّطة الطّول أو حتّى طويلة .فما هو مفهومك لقصيدة النّثر؟ هالا الشّعار : بالنّسبة إليّ قصيدة النّثر كائن أدبيّ متكامل لا ينقصه أيّ مكوّن أدبيّ من موسيقا داخليّة وهدف واختزال .والأهمّ هو الانتقال بالكلمة من وظائفها الاعتياديّة إلى وظائف جديدة معنويّا والنّثريّة ينبغي أن تحتمل عمودا فقريّا يربط بين أواصر القصيدة كما يحمل أجزاءها لتؤّدي غرضا إنسانيّا وغرضا جماليّا لا انفصال عندي بين القصيدة و مواقفي الإنسانيّة لعليّ أسترسل أحيانا تبعا للمعنى العامّ والهدف الانفعاليّ الذي يخلق ضمن القصيدة محرّكات خفيّة تجعل النّص لا يهدأ بوجدان المتلقّي حتّى يبلّغ رسالتي. أنا يا أستاذي أكتب لأهداف ولست مجرد مشتغلة بالحرف. لديّ طموحي وهدفي وموقعي الإنسانيّ والوطنيّ. السّؤال الرّابع: إذا كان معظم الشّعراء السّورييّن يكتبون قصيدة النثر فهل نستخلص من ذلك أن جمهور الشّعر في سورية يميل تخصيصاً إلى هذا النّوع من الشّعر؟ وإذا علمنا أنّ فهم قصيدة النّثر يحتاج إلى ثقافة خاصّة معيّنة فهل هذه الثّقافة منتشرة انتشاراً واسعاً في سورية ؟ هالا الشّعار : أعتقد أن قصيدة النّثر أكثر نضوجاً لدى المثقّف السّوريّ في المنتديات الدّمشقيّة خاصّةً والسّوريّة عامّةً . القصيدةُ العموديّة حاضرةٌ ونستمع إلى كثير من النّصوص من جنسها ، كما أنّها تحظى بشعبية هائلة عند الإلقاء المنبريّ .لكنّها – للأسف – لا تحظى بنفس الشّعبيّة عند الجمهور الافتراضيّ وربما كان السّبب التّنوّع الحياتيّ فلم تعد القصيدة العموديّة قادرة على حمل الهمّ اليوميّ والتّطلّع لدى الشّاعر ولدى جمهور الشّعر . السّؤال الخامس:على الرّغم من الدّمار الذي تسببت فيه الحرب ولا تزال بسورية لا نرى الشّعراء السّوريين في ما يكتبون يركنون إلى اليأس والتّشاؤم خلافا لما نراه عند أشقّائهم الشّعراء العراقيّين المجاورين لهم .بل هم يتغنّون بالحبّ والجمال فكيف تفسّرين هذه الظاهرة؟ هالا الشّعار : لعلّ السّبب يعود إلى الشّخصيّة التّاريخيّة السّوريّة التي نهضت من الكثير من المطبّات العويصة وبقيت محافظة على استمرارها . في كلّ مرّة ينهض طائر الفينيق السّوريِّ محافظاً على فرادته من تنوّع اللّفيف البشريّ والانتماءات الإقليميّة الأثنّية والدّينيّة المتنوّعة .فقد استطاع هذا المجتمع أن يحافظ على حدٍّ أدنى من الحياة في خضمّ الموت ممّا استدعى أنّ يظلّ جنين الخير و التّفاؤل حاضراً . السّؤال السّادس :فضلاً عن الماغوط وأدونيس اللّذين لهما الأثر الأكبر في الشّعر السّوريّ اليوم من هم الشّعراء العرب الآخرون وغير العرب الذين تأثّرت بهم ؟ هالا الشّعار : ولدت شاعرةً في حضن أدب الشّاعر محمود درويش ،شاعر فلسطين اللاّمع. وكان المتنبّي رفيقاً ملازماً لكل” مراحل تطوّر الكلمة لديّ، أتزوّد بشكلٍ دائم بالاطّلاع على نثر شاعري لبنان جوزيف حرب وأنسي الحاج . من العراق يأسرني بدر شاكر السّيّاب ومظفّر النواب و أطّلع دائماً على ما ينشر هنا وهناك من أدب العربيّة لكنّني أعترف أنّني أنجذب لأدب معين بسيسو وأمل دنقل . من شعراء المغرب العربيّ يعجبني الشّاعر سامح درويش والأديب محمّد الحامدي . أتأثّر بالجميع وأقرأ للجميع .لكن لدي صلة عجيبة بشعر درويش ومحمّد الماغوط ورياض صالح الحسين . السّؤال السّابع : الملحمة التي يخوضها الجيش السّوريّ منذ ثماني سنوات واستبساله في الدفاع عن أرضه لم يسبق لهما مثيل في التّاريخ العربيّ .فلم تفلّ في عزمه جحافل الإرهابيّين المرسلين إليه من القارّات الخمس ولا قنابل القوى الإمبرياليّة الثلاث العظمى : أمريكا وبريطانيا وفرنسا.و التّمويلات الضّخمة التي تضخّها بعض دول الخليج لأعدائه .فما هو شعورك باعتبارك مثقّفة سوريّة إزاء هذه الملحمة؟ هالا الشّعار : لم أغادر بلدي خلال هذه الحرب إلاّ لماماُ . تابعت تفاصيلها وعشت كل حالات الرّعب لأنني أعيش في العاصمة دمشق . لا شكّ في أنّني فخورةٌ بانتصارات جيشنا العربيّ السّوريّ وأتابع في العمق كلّ ما يجري الحدث بكل أطرافه ، أقرأ المعارضة كما أقرأ المولاة لكن لا يغيب عن ذهني أبداً العقيدة الأساسية (الحرب مع الكيان الصّهيونيّ) عدوّي وعدو هذه الأمّة . أنا ممّن لم تتمكّن غبار الحرب من حرف بوصلتهم. لا أدّعي أنّ البلاد لا تعاني من المشاكل ولكنّنا كأيٍ بلدٍ نامٍ ننجح هنا ونفشل هناك وهذه الحرب أعادتنا إلى الزّمن الصّعب بعد أن كنا قد مررنا بفترات رخاءٍ وراحة . سيّدي سوريا لا تنقسم إلى جيشٍ وشعب. نحن نعيش نفس الملحمة . كلّ منزلٍ فيه أثرٌ من هذه الحرب لذلك تستطيع أن تقول إنّ الصّمود كان شعبياً فسانده الجيش . أمّا العداوة التي واجهتنا فالحمد لله أنّ الغشاوة ذهبت وظهر للملأ معسكر العدوّ ومعسكر الصّديق . قد تكون بعض الدول قد تورّطت بالحرب على سوريا ،دفعاً لخطرٍ قادمٍ سيصيبها أو زلفى لقوى الاستكبار العالميّ . مهما يكن فما زال أمام بلادي وقت لتقول كلمتها وتعود إلى الصّفّ العربيّ أقوى من قبل ، ورسالتها أسطع . أتمنّى مخلصةً أن لا يصاب أحدٌ بمصابنا لكنّ طائر الفينيق عائدٌ لا محالة . السّؤال الثّامن : هل تتابعين القصائد التي تترجم في فضائنا من الفرنسيّة إلى العربيّة؟ وفي حالة الجواب بالإيجاب فما هو انطباعك عنها؟ هالا الشّعار : نعم ،إنا حريصة جداً على متابعة كل ما ينشر لديكم من الأعمال المترجمة إذ أنها نافذةٌ على الأدب الآخر وأنا شاكرةٌ لفضلكم وأعتزّ بجهودكم أستاذي . السّؤال التّاسع :هل ترين أنّ الفايسبوك قد قدّم بعض الخدمات للشّعراء ولك تخصيصا؟ هالا الشّعار : الفيسبوك جعلني أحمل القلم وأكتب وأنا في الثّالثة الخمسين من عمري . اليوم وبعد مضيّ خمس سنواتٍ على تجربتي أنظر إلى خلفي فأشعر أنّ سنوات عمري التي لم أعترف فيها بما كنت أكتب عاتبةً عليّ . كان يمكن الاستمرار دون الفضاء الافتراضيّ. لكنّني أشعر بالفرح للتّجربة الافتراضيّة . نعم الفيسبوك أخرج مارد الشّعر من القمقم ، قدّم خدماتٍ للكلمةِ وصاحبها ، أيضاً جعل الشّعر يحبو ثمّ يمشي كأيّ وليدٍ قويٍّ و معافى .أعتقد أنّه مع الوقت ستهتزّ عروشٌ لأدباءٍ وستظهر شريحةٌ كبيرةٌ من الأدباء كانت مغيّبةً عن الوعي الشّعريّ ممّا يعيد إلى الشّعر العربيّ هيبته وريادته . السّؤال العاشر :ما هي مشروعاتك العاجلة والآجلة؟ هالا الشّعار : لديّ ديوان جاهز للطّباعة من قصائد الهايكو والهايبون وأظنّ أنّي سأنشره خلال العام القادم وأحضّر لديوانين مكتملين من قصائد النّثر لكنّني أتريّث حتّى أحصل على قبول أكبر من النّقّاد . 2018-12-15 محمد صالح بن عمر شاركها ! tweet