أرشيف تعاليق محمّد صالح بن عمر النّقديّة على الشّعر:6 : قصائد محمّد الدّرقاوي: 6- 1: ثمّة فاصلٌ ناقصٌ 16 نوفمبر,2018 محمّد الدّرقاوي هناك بعيدًا وسط الظّلماتِ التي ينبثقُ من أعماقها النّورُ حيث توجدُ طرقٌ تؤدّي إلى الصّراخِ الأوّل . لبُّ الأصواتِ البدائيّةِ الأولى يُدخلُ الأمّهاتِ في غيبوبةٍ ويحملُ الحكماءَ في ذي الحياة على الغناءِ هناك بعيدًا هل أدركتَ المُبتغى ؟ هل لامستً الأطرافَ والعروق التي تَروي بدمِها اللّيلَ ؟ هل التي أمام قلمِهِ ورقةٌ عذراءُ؟ أم هل ألوانُهُ هي التي تجعلُ منها لوحةً مبهمة ؟ كثيرٌ من الشّطْبِ وثمّة فاصلٌ ناقصٌ لتكوينِ الشّقِّ الحركاتُ التي تُحدث فضائحَ وتوقِّعُ الرّغباتِ القادمةَ هل رحلتْ إلى زِرْياب أم هل تحاولُ شَقَّ طريقَها إلى السّلامْ لننسخْ صوتِ الجَلَبةِ أو صمتَ الرّوحِ قبل نُشوبِ الكوابيس؟ لا شيءَ البتّةَ في هذا النّصّ الجديد يلقي الشّاعر على نفسه السّؤال الأزليّ الذي لم يجد له أحدٌ جوابا ، ما عدا الكُتّابَ اليدويّين – وما أكثرّهم عددا – أولئك الذين ليست الكتابة عندهم سوى عمل لغويّ يرمي إلى قول شيء مّا، تماما مثلما هو الشأن في لغة الكلام العاديّة التي يجري بها الاستعمال في الحياة اليوميّة .أمّا الكاتب أي الحقيقيّ فإنّ فِعل الكتابة عنده بمنزلة الاستجابة لحاجة حيويّة نابعة من أعمق أعماق الذّات، دوافعُها على ضربين :أحدهما قليل الأهميّة لكونه يتألّف من القوادح الواعية السّطحيّة ذات الصّلة بالمناشط والشّواغل اليّوميّة والآخر يضمّ الحوافز الأعمق والأقوى حضورا ، لكونها ذات بُعدين رئيسين : أحدهما وجوديّ. وهو توق الكاتب أو الشّاعر إلى بلوغ منزلة المبدع لكي ينعتق من رِبقة الوجْس الذي لا ينفكّ يَنخُر كيانه النّفسيّ، في عالم موجود بمعزل عن إرادته يحس فيه بأنّه” زائد” على حدّ عبارة جان بول سارتر(Jean Paul Sartre ) .وهو ما قد يفسّر هذه الرّغبة الملحّة، عند صاحب القصيدة، في أن يستحضر، بوساطة الكلمات، لحظة الخلق الأولى ، لحظة بدء الخالق في إنشاء الكون (هناك بعيدًا وسط الظّلماتِ التي ينبثقُ من أعماقها النّورُ/ حيث توجدُ طرقٌ تؤدّي إلى الصّراخِ الأوّلِ/ لبُّ الأصواتِ البدائيّةِ الأولى/ يُدخلُ الأمهاتِ في غيبوبةٍ /ويحملُ الحكماءَ في هذي الحياة/ على الغناءِ). أمّا البعد الآخر فنفسيّ ذهنيّ .وخصوصيّة هذا البعد أنّه مُستعصٍ على الإدراك بحكم أنّ دوافع الكتابة تتجاوز إرادة الكاتب نفسه .ذلك أنّه إذا كان من الثّابت أنّ الكاتب أو الشّاعر ليس نبيّا يتلقّى وحيا من الله فإنّ ما يكتبه يتلقّاه من مصادر مجهولة .ولا أدلّ على ذلك من أنّ جلّ الأفكار والصّور التي تتوارد على ذهنه في لحظة الكتابة تَفْجَأه حقّا لأنّها لم تخطر بباله من قبل .وهكذا فإزاء الإبهام الذي يكتنف بُعْدَ الكتابة النّفسيّ ليس في وسع الشّاعر إلاّ أن يلقي على نفسه الأسئلة الحارقة دون أن ينتظر عنها أيّ جواب (هناك بعيدًا /هل أدركتَ المُبتغى ؟ /هل لامستً الأطرافَ /والعروق التي تَروي بدمِها اللّيلَ/ ؟ هل التي أمام قلمِهِ ورقةٌ عذراءُ؟/ أم هل ألوانُهُ هي التي تجعلُمنها لوحةً مبهمة ؟/ الحركاتُ التي تُحدث فضائحَ/ وتوقِّعُ الرّغباتِ القادمةَ /هل رحلتْ إلى زِرْياب /أم هل تحاولُ شَقَّ طريقَها إلى السّلامْ ؟ ).على أنّه مهما تكن الطّبيعة الحقيقيّة للكتابة الأدبيّة عامّة والشّعريّة خاصّة فإنها تصلح أحيانا لاستباق حلول النّكبات والأزمات بفضل ما يتبع ممارستها من شعور بالرّاحة النّفسيّة وزوال الضّغوط . هذه إذن قصيدة تتنزّل في مساءلة لغز الكتابة الشّعريّة المحيّر .وهي تمتاز، فضلا عن معالجتها لهذه المسألة الدّقيقة، بصفاء لغتها ولطف أسلوبها . 2018-11-16 محمد صالح بن عمر شاركها ! tweet