علاقةُ الموادِّ الخامِ بتطوّرِ الفنونِ التّشكيليّة: تحقيق :نور نديم عمران – اللاّذقيّة – سورية 31 أكتوبر,2018 نور نديم عمران المادة هي أحد أهم عناصر التكوين في الفنون ، ولا يمكن أن ننتج فناً تشكيلياً من غير مادة . ولعل هناك من يقول إن الفن من مواصفات سلوك الإنسان ، وأن لا علاقة للمادة بالرسالة التي يؤديها الفن ، فهل الأمر كذلك…؟ وهل الفن تكوينٌ عقليّ أم هل هو تكوين مادي ، وهل لتطور الفنون علاقة بالمواد المستعملة ، بحيث قد تضيف المواد النبيلة قيمةً للعمل كالذهبِ أو الفضة ، بينما تقلل الموادُ الرخيصةُ من قيمتهِ وأهميتهِ ؟! هذه الأسئلة وما شابهها توجهنا بها إلى ثلةٍ من الفنانين لنحصد باقةً من إجاباتهم الملونة، فهاهو الفنان السوري أيمن صديق زهرة يجد أن الفن ثابت و الرؤيا هي التي تتغير حسب المكان والزمان، وأن الفنون التشكيلية تتطور بمساعدة المواد المستعملة والثقافات، فالمادة في رأيه لهاعلاقة بتسريع وصول الرسالة التي يؤديها الفن .. وكذلك نجد الفنان الجزائري عبد الحميد السهراوي يؤكد أن الفن يتغير وفقاً للمحيط والمسار البشري،فالفن نسبي أي يظهر ويتبدل حسب المحيط المكاني والزمني،فنرى أنّ أول الفنون كانت الرسومات الصخرية الفرعونية والإغريقية والرومانية،…إلى الفن الحداثي الحالي الذي يشمل الفن التدويري. أما الفنان السوري إسماعيل توتنجي فقد قدم تصورات كثيرة وغنية في هذا الموضوع أبرزها: أن المادة هي وسيط لتحويل الفكر الإنساني غير المدرك إلى مدرك… والأهم في العمل الفني هو الروح. .. إذ الروح هي جوهر العمل ، ولا يمكن لمادة أن تضيف قيمة إلى عمل بلا مضمون روحي أو فكري… فبيكاسو عندما رسم صحنه بالمواد المتوفرة لم يكن يعلم أن ثمنه سيصل إلى ملايين الدولارات…. بل رسمه بروحه ورؤيته الفنية. والمعادن الثمينة تحافظ على قيمتها المادية لكنها لا تقدم إضافات حقيقية للإبداع .وخير دليل على ذلك الجداريات المحفورة في الصخور منذ آلاف السنين. إذاً الإنسان هو الأصل وهو الأساس . وفي السياق ذاته قال الفنان السوري مصباح الببيلي (المايسترو ) : ” في النحت والتشكيل النحتي المعاصر بالمعادن الهيكلية كالكتل المعدنية والمعادن النبيلة إذا كانت في الموقع المناسب ربما تزيد من جمالية العمل …. لكن المهم في العمل الفني ليس المعادن النبيلة .. المهم هو فكرة العمل الفني وقواعد مدرسته الفنية التي تُتّبع في الأسلوب و التكوين و المادة اللونية و ابتكار العمل بفكرته وقوة التصور والحس الإنساني، وخلجات الشعور واللاشعور السيكولوجية الإبداعية في الكتل التكوينية والألوان المعبرة حسب الفكرة في اللوحة ….الفرح ….الحزن ….الألم ….الحلم ….وقوة التعبير والتصور والحس عند الفنان المتمكن … يحدث الإبداع في العمل الفني وليس له علاقة حقيقية باستعمال المواد النبيلة أو الرخيصة (هي فقط شيء جزئي في تكوين اللوحة ..) وأهم شيء في اللوحة صدق الإحساس والتعبير من أعماق الفنان بوجدانه لما يريد إن يوصله إلى المشاهد بقراءته البصرية والحسية الشعورية للعمل الفني …. أما الفنان السوري محمد بدر حمدان فنراه ينظر إلى الفن على أنه الكتابة البصرية للتاريخ وهو الحلم الراكض في كل اتجاهات العمق البشري بمعنى فلسفة الرؤيا الإنسانية ويضيف: “إن أهم المعايير التي كرسها تاريخ الفن على امتداد مسيرة تطور الإنسان هو معيار المهارة والإتقان بمعنى الإدهاش وإبداع الجديد من الجمال ،والمعيار الرافد الآخر هو ثقافة الفنان الذي يقوم بفعل الإبداع كي يضيف صفحة إلى كتاب الجمال …. الفنان الذي يحمل رسالة لم يحمّله هي أحد، يبدأ افتتاح صفحة جمال جديدة في كتاب الحياة ويرى من زاوية مختلفة تخصه وحده أنْ لا بد أن يكون متقناً لعمله وبالتالي يستطيع تحميله قيمة ثقافية تضيف قطرة إلى بحر ثقافة الجمال . وهذا الهم الإبداعي لن تقف في وجهه المادة بمعنى خامة العمل أو الأدوات وما شابها. إن غياب المعايير في مقولة الإبداع هو الذي يساهم في تخلف الإنتاج الثقافي الفني عن ثقافة الجمال الإنسانية في كل زمان ومكان . وهكذا نجد أن التطور في الفنون ليس شكلياً فقط …بل إنه تطور في الرؤى والمفاهيم والخبرات ، تطور أساسه الفنان قبل مواده التي يستعملها وإن كنا لا ننكر أهمية توفر المواد الجيدة وليس بالضرورة أن تكون معادن ثمينة او ما ماثلها في التكلفة ، فهذه المواد هي الوسيلة التي تسهل عمل الفنان لإيصال فكرته بجلاء ووضوح . 2018-10-31 محمد صالح بن عمر شاركها ! tweet