الفرقُ بينَ الرّسَامِ والفنّانِ…. تحقيق : نور نديم عمران – اللاّذقيّة – سورية 19 أكتوبر,2018 نور نديم عمران العالم لا يصنع شعوراأو إحساسا،إذا لماذا سأرسم الصور كما هي؟ لعل كلمات بابلو بيكاسو تضعنا في أول الطريق لمعرفة الفرق ما بين الرسام المحترف والرسام الفنان… ذلك الفرق في التفكير والابتكار وفي الإبداع والإحساس …الرسام يرسم اللوحة كما هي في الحقيقة بينما يعطيها الفنان من روحه ،فالأول يلتقط الجمال بعينه ويرسمه بينما يلتقطه الثاني بروحه ويضيف له من مخيلته…وقد يقول قائل: لا يوجد فرق .فكلاهما يرسم ما يشاهده …كل حسب ثقافته ومفهومه للرسم ومقدرته .. حول ذلك كانت لنا محطات وقفنا فيها وتحاورنا مع عدد من الفنانين …. فالفنان عدنان فاضل يرى أن الرسم موهبة موجودة عند كل إنسان ولكنها بنسب متفاوتة ،أما عند الفنان فنجد نسبتها عالية لأنه يمتلك الإحساس المرهف والخيال الخصب المحلّق . فالرسام يتخذ الرسم مهنة وهواية فيمتّع المشاهد برسومه وألوانه التي تقترب من الواقع . بينما الفنان يهوى ويعشق فيرسم ليمتع ويبدع. يسعى الرسام إلى تقليد مشاهير الفنانين .ومحاكاتهم فنقول قلد بحرفية فهو رسام جيد ولكنه لم يصل إلى درجة إبهار المشاهد وإدهاشه لكونه لم يأت بجديد ،على الرغم من تناغم الألوان وزهوها وجمالها . بينما الفنان يغوص في أعماقه .. في خياله .. فيأتي بالجديد المبتكر المتميز ببصمته الفنية الخاصة به ، فيصنع الأشكال بخصوصية تتبع بحثه ،وغالبآ ما يخرج عن المألوف . وفي كل الأحوال الفن يعبّر عن رقيّ الشعوب وتحضرها وهو رسالة إنسانية تضرب على أوتار القلوب . والفنانة التشكيلية رندة تفاحة تجد أن الرسام هو من يكون قادرا على نقل الصورة كما هي بدقة متناهية دون إضافة لمكنوناته او أحاسيسه… بينما الفنان رسام قادر على خلق مشهد يضيف إليه مكنوناته و أحاسيسه الداخلية فيكون الفن لديه بمثابة رسالة يقدر فيها أن يوصل ما يشاء بأحاسيسه الخاصة. الكثير من الفنانين يعيبون على الرسام أن الكاميرا تقوم مقام عمله، و يشيدون بالفنان القادر على خلق جو من التفاعل و النقاش البناء حول عمله وعن التقنية و الجمال و الفكر الذي تحمله كل لوحة. أما الفنانة التونسية منال العفاس فتقول:الإبداع هو الخلق ،هو الابتكار و التوليد… الفنان المبدع من وجهة نظري هو القادر على التعبير عن أحاسيسه وأفكاره بأسلوب خاص يميزه عن غيره ..إنه يرى الموجودات حوله بشكل يختلف عن الفنان العادي و لديه القدرة على بلورة ما يراه و يشعر به من خلال ألوانه و أدواته و خاماته الخاصة به فيغوص دون تردد او خوف في مخاض لا نهاية له سوى ولادة جديدة ..الفنان المبدع لا يستسلم لنتيجة قد تظهر بالصدفة و لكنه يستغل هذه الصدفة بذكائه البصري ليدرجها ضمن أفكاره و أهدافه. لا يكتفي المبدع بإعادة صياغة الموجودات و نقلها بشكل آلي و لا يقتصر هدفه على إنتاج لوحة تتناسق فيها الألوان و الأشكال و إنما ترتقي به أفكاره إلى ضرورة تبليغ رسالة إلى العالم يحكي فيها عن انتمائه ، أصالته ، حضارته ،ثقافته و يتبنى فيها أهدافا توعوية وتربوية .و هو يعلم جيدا أنه قادر من خلال لوحاته أن يغير الواقع الذي تعيشه البشرية من دمار و استبداد و ظلم… كل فنان يستطيع أن ينقل ما يراه حوله بصدق مشاعره و موهبته فينتج لوحة جميلة تتحقق فيها القيم الفنية والجمالية من تناسب و تناسق الألوان و الأشكال و توازن بين الكتل والفراغات و التضاد اللوني و الضوئي… و لكن المبدع لا يقتصر على هذه القيم الجمالية بل إنه يبحث عن هدف يرتقي بفنه إلى مرحلة يتحدى فيها العالم و يؤثر في نفس المتلقي و من ثم في تفكيره و هو قادر أن يزرع في المجتمعات إرادة جديدة للتغيير بكل حب وإحساس. وها هي الفنانة الليبية منى بن هيبة الشريدي- رسامة كاريكاتير تشير إلى ذلك قائلة : لعلي لا أتزيد طرحا على ما تفضل به من سبقوني في الطرح، فهذا الموضوع النقاش فيه جدلي و يطول فيه الحديث لذا سأكتفي بقول ما تفضل به كبار ممارسي الرسم على مر العصور و عبر الأزمان، يقول بابلو بيكاسو الرسام الإسباني الشهير:” بعض الرسامين يحوّلون الشمس إلى بقع صفراء و البعض الآخر يحولون البقع الصفراء إلى شمس”، و من هنا يتضح جوهر الفرق بين الرسام و الفنان، فالرسم كما نعلم هو الأصل لكن القدرة على الابتكار و الإتيان باللا متوقع لصنع الدهشة و الروعة و السحر هو الفن. أما الفنان السوري بسام ناصر فيرى أن الرسام يمثل الحد الأدنى من الفن ،بينما الفنان المبدع لا يقف عند ذلك الحد بل يتطور …الفنان قادر على إظهار حس لوني معين..وكلما زاد عنده الحس ازدادت قدرته على التعبير….هنالك أشخاص يمتلكون الحس ولكنهم غير قادرين على التعبير عنه لأنهم ليسوا فنانين …وحتى الفنانون تتفاوت درجة الحس لديهم والقدرة على التعبير لذلك يتميز بعضهم عن بعض، فالمعرفة من أين تأتي…إنها تأتي من الحقائق المثبتة وتتطور….الفن هو أن ترسم فوق الاشياء الموجودة والحقائق..أي أن ترسم فوق الإدراك ..لأنك فنان. إذا الفرق بين الرسام والفنان ….هو الروح…إنه ذات الفرق في أية مهنة أو عمل يقوم به شخص ما بشكل جيد بينما يقوم به ثان بفن وإبداع…فالأول يرسم زهرة والثاني يجعلنا نشتم عطرها الذي يفوح مع الألوان …إنها روح الإبداع وروعة الفن. 2018-10-19 محمد صالح بن عمر شاركها ! tweet