حوارات”مشارف” : 12 – مع الشاعر الشّاعر الإيطاليّ البلجيكيّ قايتن باريسي 17 أكتوبر,2018 قايتن باريسي من هو قايتن باريزي؟ ولد قايتانو (الملقّب منذ صغر سنّه بقايتن) باريزي في 20 مارس 1963بصقلّيّة ( إيطاليا ). هاجر والده إلى بلجيكيا وهو في الثّانية من عمره.يشتعل مهندسا معماريّا في وقت واحد ببروكسال وأغادير ( المغرب).أغراض شعره متنوّعة بعض الشّيء لكنّ الموضوع الأكثر تردّدا فيه هو القطيعة العاطفيّة. وهي تقترن في ذهن الشّاعر بذكرى أليمة حالكة بطلتها معشوقة قاسية يكنّ لها حبّا لا يوصف.وهو ، إذ يُحلّ نفسه في جلّ قصائده محلّ العابد وهي محلّ الإلهة المعبودة على الرّغم من سلوكها المتعالي، الحاسم، الصّارم، يجسّد صورة العاشق المجنون الولهان. على أنّ طرقه لهذا الغرض العامّ القارّ لم يمنعه من توليد أغراض فرعيّة منه لا تكاد تحصى.وهو ما جنّبه الوقوع في التّكرار والاجترار . أسلوبيّا تتميّز قصائده بنسيج إيقاعيّ خارجيّ وداخليّ في غاية الإحكام بفضل انتظام القوافي وتقصير الأبيات والاستعمال المكثّف للقوافي في أوائل الأبيات والجناس والفصل، كما يتواتر فيها على نحو مرتفع التّفخيم والاستعارات المبتكرة. مجموعاته الشعرية : غناء المَخْمّل،دار دبّوس الأمان ، باريس 2014 – ط2 ، دار أديلفر ، باريس 2015 –ثمار حمراء،،دار دبّوس الأمان ، باريس 2013 ط2، دار أديلفر، باريس 2014- زهرة آلام البندقيّة ( حكاية شعريّة)، دار أديلفر، باريس2014 السّؤال 1 : أنت مهندس معماريّ وشاعر.ويقال إنّ المهنة تؤثّر على نحو لا واعٍ في ما يكتبه الشّاعر.وهو ما يلاحظ في النّزعة التّعليميّة عند الشّاعر المدرّس والإخباريّة عند الشّاعر الصّحفيّ وعلى العكس النّزعة التّهويميّة عند الشّاعر العاطل عن العمل …فهل تحسّون بوجود تأثير مّا لمهنتكم في نصوصكم الشّعريّة؟ قايتن باريسي :ليس كلّ المهندسين المعماريّين شعراء .ولكنّ كلّ الشّعراء مهندسون معماريّون. فلفظ”شاعر” أُخِذ من الجذر اليونانيٍ “بوييpoé” الذي يعني “الإبداع”. فالشّاعر هو قبل كلّ شيء مبدع ، هو الذي ي نشء تآليف .والمّادة التي يشتغل بها مخصوصة ، إذ هو يشتغل بالكلمات. في الحقيقة لا أعتقد أنّ قصائدي تَرْشحُ منها مهنةُ المهندس المعماريّ.بل بالعكس يمكنني أن أعترف بأنّي أنشيء نصوصي بالصّرامة نفسها التي أعمل وفقها في مجال الهندسة المعماريّة وبالدّقّة نفسها وبالنّزعة نفسها إلى الابتكار ، مع الحرص الدّائم على البحث عن التّوازن المنسجم وعن البنية الأنسب . صناعة الشّعر هي أن تضع أصواتا نغميّة في مواضعها، انطلاقا من أحاسيس مماثلة لما ينطوي عليه رسم تخطيطيّ لمشروع بناء. فالشّاعر كالمهندس المعياريّ يعبّر عن أفكار أو يصمّم صورا بلغته الخاصّة. ففي عملي الهندسيّ المعماريّ وفي قصائدي على حدّ السّواء أحاول أن أكون إنسانا ملهما لكنّي لست حتما سوى مجرد حرفيّ يشتغل بنصّ كما ينجز رسما. وعلى الرّغم من أنّ الجمال يستعصي على التّعريف فحلمي يظلّ دائما الوصول إليه على طريقة الشّاعر بودلا ر الذي أعشق شعره .ففي هذا بلا شك اعتزاز بالنّفس لكنّي أتحمّل مسؤوليّته إذن هل يؤثّر المهندس المعماريّ في الشّاعر؟ أترك لكم الجواب بقراءة نصوصي. فمن حيث كوني شاعرا ومهندسا أحتلّ مكاني في هذا العالم ذي الهندسة المتغيّرة وخاصة ذي الظّاهر البالغ التّضادّ. ومن حيث كوني شاعرا ومهندسا أوجد في صلب المجتمع ومعه جين يحمل هذان النّشاطان ذاكرة وتاريخا. ومن حيث كوني شاعرا ومهندسا معماريا أنا منفيّ في هذا المجتمع من جرّاء حساسيتي المخصوصة جدّا. ونت حيث كوني شاعرا ومهندسا معماريا أوجد في صدارة المجتمع مثل جؤجؤ السّفينة حين أحاول أن أتبيّن ما لم يوجد بعد. السّؤال 2 : أنتم من مواليد إيطاليا وتعيشون منذ عهد طفولتكم ببلجيكا ولكم مكتب عمل بالمغرب وعلاقات متينة هناك بالوسط الأدبيّ .فكيف تتعاملون باعتباركم شاعرا مع هذا التّعدّد المكانيّ الذي هو ، في الوقت نفسه، تعدّد ثقافيّ؟ قايتن باريسي : أنا راض بما فيه الكفاية عن ” لفظ”المكان ” الذي استعملته في سؤالك.فالمكان هو بمنزلة السّائل الذي يحيط بالجنين ويبقينا على قيد الحياة في هذا العالم. في الواقع إذا أخذتُ المدينة مثالا – وهو ما يقرّبني من تكويني في الهندسة المعماريّة فإنّ أضخم مدينة تلوح لي شبيهة بفضاء مجزإِ ومقسّم بين مجموعات متباينة من السّكّان الذين يقيمون فيه . فتقسيم المكان يبقى شاغلا من شواغلنا المركزيّة وسؤالا من أسئلتنا العميقة،على اختلاف ثقافاتنا أو لمصادفة من مصادفات الحياة. فمن خارج تلك المدينة نلاحظ آليات لتصنيف حضريّ تجزّئ المكان وفقا لمظاهر منتظمة غير شخصيّة. أمّا إذا نظرنا إلى تلك المدينة من داخلها بدا لنا على العكس أنّ كلّ واحد من السّكان يجد نفسه مدفوعا إلى التّآلف والتّعايش مع الآخرين دون أدنى تمييز ، وفق نيّات شخصيّة بحتة. فعالمي الشّعري هو مدينة من تلك المدن ،أعيش يوميّا في داخلها. من حسن حظّي أنّه كانت لي لقاءات خارقة للعادة في المغرب وفي بلجيكا و وسط جاليتي الإيطاليّة. هذا التّعدّد الثّقافيّ ليس إذن تفاوتا أوتنوّعا أي نقيضا للتّماثل والتّجانس.إنّما هو أشبه ما يكون بالضّوء الذي يتألّف من موجات ألوان مختلفة.وهذه الألوان تصبح إضافيّة ما إن نمارس الهواية نفسها وفي حالنا هذه هواية الشّعر. لقد أتيحت لي إذن فرصة مذهلة أن أعيش هذا التّعدد الثقافي لأنّه مرادف للحوار والقيم المتبادلة. إنّي أحلّق إذن في فضاء عامر باللّقاءات وسمته التّعدّديّة إلاّ أنّه حتما أيضا تتقابل فيه بعض القيم. لكن هنا تتجلّى معجزة الشّعر لأنّ كلّ اختلافاتنا لا تؤلّف مكبحا للتواصل .بل على العكس تكسبنا عناصرغنى رائعة حين نتكلّم لغة واحدة : لغة المحبة. السّؤال 3 : في مجموعتكم الشّعريّة الأخيرة الموسومة بابتسامة ، قبلة، دمعة التي صدرت بفرنسا والتي كان لي شرف التّعليق على كلّ القصائد الواردة فيها قصيدة قصيدة :تدور جميع النّصوص حول محور ثابت هو “قطيعة غراميّة من جانب واحد ومن قبل حبيبة قاسية ومتكبّرة”.هل تعتقدون أنّ امرأة تتخلّى نهائيا عن حبيبها تستحقّ حقّا أن يُؤلَّف عنها كتاب ؟ قايتن باريسي: أريد أن أشكرك قبل كلّ شيء على الاهتمام الذي أحظيت به دائما نصوصنا.فقد كنت لجلّنا بمنزلة المحرّك الذي مكّننا من تعلّم الكتابة و تطوير كتابتنا.فقد تطوّرت كتابتي ونضجت وتخصّصت. أمّا الحبّ غير المتبادل من حيث هو غرض نموذجيّ في الأدب والفنّ ،سواء عند شكسبير أو في أوبرا كرمان لبيزات أو أيضا في عهد أقرب منّا لدى أميلي نوثومب في مؤلّفها رحلة الخريف هو تجربة واجهها عدّة أشخاص في حياتهم.و كان هذا المحور بالنّسبة إليّ دون شكّ خطّا رئيسا لأنّي كنت واحدا من تلك العيّنة من الأشخاص. طبعا نصوصي أبعد من أن تنافس الأعمال الأدبيّة الرّاقية التي ذكرتُها لكنّها تلتقي معها في طرق موضوع القطيعة الغراميّة من جانب واحد الذي أشرتَ إليه في سؤالك. وهذا ما يدلّ على مدى الاهتمام الذي يحظى به في الأدب. هذا التّخلّي عن الحبيب المسمّى قطيعة غراميّة من جانب واحد ينجرّ عنه الإحباط وأسى مجهول المصدر لا ريب فيه.لكن ما هو خارق للمعتاد هو أنّ المحبّ الباقي يظلّ يحتفظ رغم كلّ شيء بالأمل في الحبّ مجدّدا . قد يبدو هذا وهميّا .لكنّ ذلك الأمل الذي يكاد يكون مستحيل التّحقّق أساسيّ للبقاء على قيد الحياة…ذلك الأمل يمنع الشخص المجروح من نسيان حبّ ضاع…ذلك الأمل شبيه بظلّ حبّ مسلوخ.وهو يمكّن من الانطلاق إلى الأمام ومن تفادي الموت.ولا فائدة في كتابة المتخيّل إذا كان الكاتب لا يقحم ذاته في ما يكتب. غالبا ما يقال إنّ العطر سرُّ دفين محروس، بصمة شخصيّة نتركها في النّاس أو يتركها أحد الأشخاص فينا. وهذا ما ينطبق على هذه المجموعة الشّعريّة التي هي عطر لا يُمحى ، عطر وسم وجودي فالمرأة في تقديري تتحلّى بخصلة ملغزة. فهي بالنّسبة إلى الشّاعر ربّة الشّعر الأشدّ خصوبة. وحين تحصل قطيعة غراميّة تقطع بمقتضاها امرأة صلتها من جانب واحد برجل لا تكون هي القاسية . بل إنّ الشّعور بالظّلم الذي أجبرها على قطع تلك العلاقة هو الذي يتّصّف بقسوة لا مثيل لها.. ألا إنّ المرأة التي أحبّها ربّة شعري وامرأة وجودي و مصدر الاعتزاز في أدبي. السّؤال 4 :تتجلّى صورة الحبيبة دائما في أعمال كبار الشّعراء العشّاق بوضوح تامّ.لكنّ الخطاب في قصائدكم لا يشفّ عن أي معلومة تضيء هويّة الحبيبة المتحدّث عنها وخاصّة الخصال الجسديّة والنّفسيّة التي يمكن أن تبرّر هيامكم الجنونيّ بها.فهل تعلّق الأمر بعلاقة سرّيّة أو شخصيّة حميميّة؟ قايتن باريسي : إذا كان هذا السّرُّ حقيقةً فإنّكم تفهمون أستاذي العزيز أنّي لن أعمل ما في وسعي على إفشائه. فالحبّ من منظوري ليس شيئا آخر غير عشق جنونيّ. إنّي أحبّ كثيرا أنموذج العشق الرّومنسيّ . وقصّة روميو وجوليات تبقى عندي من الرّوائع التي لا تدانى .ما أريد أن عيشه في الحبّ هو صورته الجنونيّة وتكون جنونيّة لكونها مشطّة ولا حدود لها. في الواقع يتجاوز العشق دائما العشّاق أنفسهم ولا يأخذ بعين الاعتبار الأحداث الممكنة الوقوع. إنّه لقاء متطرّف ومشطّ بين شخصين. هو لقاء متطرّف لأنّه يتعامل على نحو سيّئ مع الحدود التي تفرضها الحياة العاديّة ومشطّّ لأنّه سيفضي إلى شيء في منتهى الشّدة سواء جسديّا أو نفسيّا. هذا هو العشق المعيش داخل قصائدي.وهو بلا وجه .لذلك ليس للحبيبة فيه هويّة دقيقة. العشق مجاله الرّوح لا الأعراض الجسديّة. ونهاية كل عشق ،ككل قطيعة في مجال الغرام، تجعلنا نواجه الألم والجرح الدّائم. على نحو ما يعيش الطّرف الآخر الذي أضعه دائما في صيغة المؤنّث داخل ذواتنا .لذلك لا تبقى له عندي تلك الحاجة الملحّة إلى رؤيته ولمسه.وهو ما يدخل تغييرا على علاقتنا بالحياة. عندئذ أقول نعم ، هذه العلاقة يمكن اعتبارها علاقة سرّيّة بل أقول أكثر من ذلك إنّها علاقة حميمية شخصيّة . السّؤال الخامس : الصّورة التي تقدّمها قصائدكم للمتكلّم ( أنتم ) تعكس هشاشة نفسيّة بالغة (حالة ذات كليمة أصيبت بارتجاج عاصف).هل هذه الهشاشة لا تتعدّى تجربتكم العاطفيّة أم هل هي سمة قارّة من سمات شخصيّتكم ؟ قايتن باريسي :أرجو ألاّ تكون هذه سمةً قارّة في شخصيّتي وألاّ يكون النّاس ينظرون إليّ على هذه الصّورة. إذا كان الشّاعر يدرج شيئا من شخصيّته في قصائده فهذه القصائد ليست بالضرورة قطعا من حياته يعرضها للقارئ.بل على عكس ذلك كلّ قصيدة تفكير ، رسالة يُطلَب منه فكُّها وصورة يُدعى إلى إضاءتها. الشّاعر شخصيّة مسرحيّة، يمارس الإخراج على نفسه وعلى حكايات يرويها. الشّاعر كاذب، مزوِّر ،يحرّف الواقع ليجعله أخّاذا أكثر من قبل وأشدّ إيلاما وأدقّ تصويرا .فهو كالرّسّام يشتغل في سجلّ شخصيّ للغاية ووَفق موضوع خاصّ. مرّة أخرى أكرّر القول إنّ في الموضوعات التي أطرقها في قصائدي جانيا ذاتيّا طفيفا و إنّ أغلب ما فيها من وحي الخيال ليس إلاّ .وذلك ضمن موضوع لا شكّ في أنّي أفرطت في تناوله ( القطيعة في الحبّ من جانب واحد) . السّؤال 6 : الحبُّ من جانب واحد كان دائما موجودا .لكنّه نادرا ما يُحدث مثل هذا الارتجاج العنيف في ذات المحبّ، لأنّ المحبوبة مهما تكن خصالها فليست في نهاية الأمر إلهة ويمكن تعويضها بنساء أخريات كثيرات.ولهذا السّبب سمّى بعضهم هذا النّوع من الحبّ “نصف حبّ”.فهل توافقون على هذا الرأي ؟ وما هو تعريفكم للحبّ؟ قايتن باريسي : علينا ألاّ نخاف من استعمال بعض الكلمات.فالحبّ هو مدرسة في الحياة. ففي علاقة غراميّة نحن في الوقت نفسه مبدعون و باحثون عن اتّفاق، عن امتلاء بما هو بعيد عن المنال وقريب جدّا من الآخر. على أنّه يتعيّن علينا ألاّ نخلط بين الشّعور بالحبّ الذي ليس لنا عليه أيّ سلطة – وهو الشّعور الحقيقيّ الوحيد الذي لا رجعة فيه – والعلاقة الغراميّة التي تُبنى في كلّ لحظة ويغذّيها التّقاسمُ والاعترافُ المتبادل والتّرويضُ المتواصل بين ذواتين في حالة صيرورة وصداقةٌ تبلغ العلاقة فيها الذّروة وطريقٌ في طور البّناء. الحبّ العظيم فيما أحسّ به كأنّه حالة تفاعل وحركة اندهاش تحملني نحو الآخر وموسيقى تسمو بي في اللّحظة الحاضرة، داعية إيّاي إلى التفرّغ لحياتي. أن يعيش المرء الحبّ شبيه بالتقاء نوطتين موسيقيّتين ستتآلفان وتتناغمان وتوصل كلّ منهما بالأخرى لتنتجا صوتا واحدا اهتزازيّا مندفعا. عندئذ إذا عاش الإنسان كلّ ذلك فكيف يدّعي قائلا: “لم أعد أحبّك”؟ فالحبّ شعو دائم يمنحُ وإذا مُنح فلا يُسترجع البتّة. الحبّ قمطر مستقرّ في القلب الذي ينغلق عليه.لكنّه لا ينقرض أبدا. يمكن فتح القمطر مرّة أخرى في كلّ لحظة أو تركه مفتوحا في كلّ الأوقات حتّى إن كان الذي يغذّيه “نصف حبّ” فقط. وحتّى إن كان الحبّ غير متبادل فيمكن أن يبقى موجودا. في غالب الأحيان الحبّ الذي يٌمنح لا يكون متعادلا.ومن المحال أو من النّدرة بمكان أن يكون قويّا بالدّرجة نفسها عند الطّرفين. أن تقول : “أحبّك” قول بالغ الأهميّة لأنّك لا تستطيع بعد النّطق به أن تتراجع في كلامك، إذ يكون قد ترسّخ في ذاتك. وإنكار وجوده هو كذبة من الكذبات المتداولة في حياتنا اليوميّة. السّؤال السّابع : منذ فترة ليست بالقصيرة لم أقرأ لكم قصائد جديدة .فهل أنتم لا تزالون تكتبون في هذا الموضوع؟ أم هل تجاوزتموه؟ قايتن باريسي : منذ قرابة السّنتين لم أعد أكتبُ في الشّعر شيئا من الشّعر جديدا متماسكا . وعلى عكس ذلك أكتب نصوصا ذات نبرة فلسفيّة أوعن وقائع استثنائية أومن الحياة اليوميّة . لماذا تجاوزت تلك الحالة الانفعاليّة التي مكّنتني من نشر ثلاث مجموعات شعريّة؟ بكلّ نزاهة لا أدري. فالكتابة إحساس…حاجة فقد كتبت كثيرا وصرختُ فاختنقت وخارت قواي. أحسّ في جسدي لذعة خلّفها جهد عنيف واضطهادا سُلّط على الصّدر وشللا في ساقي اليسرى وتقبّضا شملا ذاتي كلّها .أحسّ بكيّ الكتابة وكيّ عشق لا قدرة لي على تحمّله. هذا الألم رافقني دائما وقد عشته ولا أزال باعتباره ألما لازما لا فكاك منه سيرافقني إلى آخر حياتي. في داخلي كثير جدا من الجلبة الى حد أن صرت عاجزا عن توجيه جراحي والتّحكم فيها . وأصل ال حكاية أنّها قُدّت من إحساس لاواع بالذّنب ومن صدمات عنيفة ترجع إلى ذلك اليوم الذي لا أنساه والذي بقي موسوما بالإرساليّة القصيرة التي بعثت بها إليّ لتخبرني فيها بقطعها لعلاقتها بي. . وزياد على ذلك أنا الآن أكره نفسي ولم أعد أنصت إلى ذاتي في حين أنّ الكتابة إنصات للذّات. حين يحسّ المرء بأنّه مذنب، مذنب بفشله في الإقناع كيف يمنح نفسه حقّ الكلام؟ إنّه ليستحيل عليّ الآن أن أتحدّث عن نفسي ، أن أتحدّث عن مشاعري، أن أفكّر بصوت عال .وهل يمكن إفراغ شيء متناهي الهشاشة شخصيّ إلى أبعد الحدود في السّاحة العامّة؟ هذا يمنعه حياء مشروع. أليس كذلك؟ السّؤال الثّامن : أنتم تنتمون منذ قرابة العشر سنوات إلى منتخبنا الشّعريّ العالميّ .وقد ترجمتْ لكم عدّة نصوص إلى اللّغة العربيّة وقرأتم نصوصا كثيرة لشعراء عرب مترجمة إلى اللّغة الفرنسيّة.فهل وجدتم شيئا جديدا في هذه النّصوص التي كتبت في الأصل بلغة أخرى؟ قايتن باريسي : أنتم تنتمون منذ قرابة العشر سنوات إلى منتخبنا الشّعريّ العالميّ .وقد ترجمتْ لكم عدّة نصوص إلى اللّغة العربيّة وقرأتم نصوصا كثيرة لشعراء عرب مترجمة إلى اللّغة الفرنسيّة.فهل وجدتم شيئا جديدا في هذه النّصوص التي كتبت في الأصل بلغة أخرى؟ قايتن باريسي :كيف أصف الفرحة العارمة التي غمرتني حين تُرجم شعري إلى اللّغة العربيّة ، الأغنى لغة في العالم؟ مع الأسف لا أعرف اللّغة العربيّة.فقد حاولت تعلّم هذه اللّغة الخارقة باعتماد إحدى الطّرائق البيداغوجيّة لكن دون ن أتوصّل إلى الإلمام بها .وأعترف أيضا – وهو ما لا يعرفه إلاّ قلّة من المحيطين بي – بأنّي درست القرآن والعبادات الإسلاميّة .وهو ما قرّبني إلى حدّ بعيد من أصدقائي المسلمين. وما يعجبني في اللّغة العربيّة أكثر من كتابتها وخطّها الفنّي وجماليته هو جرس أصواتها . و في أرشيفي نصوص لي باللّغة العربيّة مسجلّة بصوت إحدى الصّديقات ولها رنين استثنائيّ .فالجهاز الصّوتيّ الحلقيّ للغة الضّاد يشكّل تحدّيا حقيقيّا في التّعبير الشفوي و موسيقاه قصيدة في حدّ ذاتها . السّؤال التّاسع :في الفايسبوك دون أدنى شكّ جوانب إيجابيّة .لكنّ عدّة شعراء يرون فيه أيضا جوانب سلبيّة كثيرة .فما هو رأيكم الشّخصي في هذه الشّبكة ؟ قايتن باريسي : كلّنا بصدد البحث عن تجارب أصيلة .ولكي نعيش اليوم مثل هذه التّجارب نحن نتأمّل أنفسنا لكي نروي ما نراه فيها على الفايسبوك، مفضين على الحياة الواقعيّة مسحة من الخيال باعتبارها المجال الوحيد الذي تجري فيه اللّقاءات الحقيقيّة. بفضل المجموعات التي أحدثتها أنت أستاذي العزيز على الفايسبوك أتيحت لنا فرصة مقاسمة نصوصنا وقصائدنا وأخبارنا التي لا تحصى ولا تعدّ. ولولا هذه المجموعات لما كتبتُ شخصيّا أيّ نصّ. لقد تعلّمت الاهتمام بالشّعر بفضل القراءات التي قمت بها على الفايسبوك وبفضل العلاقات المثمرة التي ربطتها بشعراء معترف بهم من كلّ الأطراف في جميع أنحاء العالم. هذه الشّبكة الاجتماعيّة هي فرصة لنا جميعا ،لأنّها تسهّل التّبادل والتّواصل. طبعا ربّما هناك انتقادات يمكن توجيهها إليها وخاّصة استحالة مراقبة السّطو والانتحال.لكن على الرّغم من ذلك فكلّ واحد منّا يبذل جهدا في التّصدّي لهذه الظّاهرة ويحمي نفسه قدر ما يستطيع. لكلّ الأعمال التي تقوم بها على الفايسبوك أستاذي محمّد صالح بن عمر ولكلّ العناية التي توليها لنصوصنا ، أشكرك من صميم قلبي. السّؤال العاشر :ما هي مشروعاتكم العاجلة والآجلة؟ قايتن باريسي : اليوم وعيتُ بأنّ السّنوات تمرّ بل تمرّ بسرعة البرق. لذلك قرّرت أن أمنح الأولويّة لعائلتي وأبنائي. عندي في برنامجي بعض الرّحلات. أمّا الشّعر فسأقرّر البحث عن ناشر لمجموعتي الرّابعة التي فرغتُ منها مع ذلك منذ قرابة السّنتين. وختاما بودّي لو أكملت رواية طلبتها منّي دار”جيوراما”الكائنة بمدينة براست في فرنسا لتصدرها ضمن سلسلة عنوانها”شهادات” صدرت فيها عدّة روايات ويشرف عليها الكاتب هرفي قويادار. 2018-10-17 محمد صالح بن عمر شاركها ! tweet