مع الشّاعرة السّورية سوزان إبراهيم في مقرّ إقامتها بالسّويد – حاورتها : حذام بطرس – بيروت – لبنان 10 يوليو,2018 سوزان إبراهيم س 1: أنت تعيشين منذ بضعة أشهر ببلد أوروبيّ – وهو السّويد – وهي فيما أظنّ المرّة الأولى التي تخوضين فيها هذه التّجربة ،لأنّ زياراتك السّابقة لبعض البلدان الأوروبيّة كانت خاطفة إمّا للسّياحة وإمّا لأغراض مهنيّة في نطاق عملك الصّحفيّ .فما هو شعورك الآن وأنت تقيمين على نحو مطوّل خارج بلدك الأصليّ سورية؟ ج: هي المرّة الأولى التي أغادر فيها سورية بهدف الإقامة خارجها. هذا صحيح. لست في وارد الحديث عن الصّدمة الحضاريّة وآثارها،إذ أعتقد أنّني تجاوزتها منذ زمن، بسبب بعض الزّيارات السّابقة. كنتُ ومازلتُ وسأبقى حتّى آخر يوم في عمري أحاول الدّخول في تجارب حياتيّة جديدة. لست من عاشقي حالة السّكون والرّكود في الحيا., هذا خلافاً لطبيعتي الرّوحانيّة التّأمليّ., وليس في ذلك تعارض أو تناقض, فمعرفة الكون عبر التّجارب والمغامرة والاختلاط بالآخر تُوفّرُ فرصة مهمّة، خاصّة للشّاعر، في أن يُعمّق اكتشافه لذاته ثمّ ليحرث في مساحات جديدة من أرض اللّغة. بعيداً عن المقارنة، أتذكّر رحلة جلال الدّين الرّوميّ بحثاً عن المعرفة. يمكنني إذاً وببساطة أن أقول إنّ هذه درجة جديدة في محاولة صعود سلّم المعرفة. س 2: تقترن الإقامة خارج الوطن بديهيا بمشاعر الغربة والعزلة وفقدان الجوّ الحميميّ في العالم الأصليّ الذي لا يقدّر بثمن.فهل وجدت في البلد الذي احتضنك ما يساعدك على التّخفيف من حدّة هذه المشاعر؟ ج : فيما يخصني, لم أكن وفيةً جداً للأماكن إن كانت مجرد جغرافيا أو إحداثيات على خريطة. بعض الأمكنة يتحول إلى روح كما هي حال دمشق مسقط الروح: في هذه الحال أنا لا أفتقدها لأنها داخلي. أعتزّ بجذوري المغروسة في أرض سوري،, بلاد الشّمس، كما أعتزّ بانتمائي إلى مدينتي حمص، مدينة جوليا دومنا، حيث مسقط الرّأس, لكنّ روحي وفكري يحلّقان أبعد من الجذور، فالجذور ثابتة أي حالة ثبات, فإن أردتُ التّغيّر, أي حالة الحركة- وهذا ما أريده دوماً – فلابد من أجنحة- وأنا بطبيعتي أعشق التّحليق – وهو حالة من التّوازن بين الجذور والأجنحة ولابدّ من الاعتراف بأنّ المدينة التي تستضيفني في “السّويد” توفّر لي الكثير ممّا يجعلني قادرة فعلاً على التّحليق عاليا. س3: لوحظ أنّك قبل قدومك إلى السّويد بعدّة أشهر قد انقطعت أو كدت عن كتابة الشّعر. لكن منذ أن حللتِ بهذا البلد استعادت قريحتك نشاطها وعلى نحو مكثّف لافت.فهل السّبب هو ما يولّده الابتعاد عن الوطن من حسرة مقترنة بالحنين أم هل وجدت في مكان الإقامة ما يُذكي القريحة ويفتح الذّهن والنّفس على آفاق جديدة ؟ ج : بعد فترة من إصدار مجموعتي الشّعرية الأخيرة (صرتُ الآن غابة) عام 2016 اتّخذت قراري بالتّوقّف عن كتابة الشّعر, أردتُ فرصةً لتبريد المسافة العاطفيّة والشّغف بما أُنجِزَ وبين ما أنوي إنجازه.. فرصة لإعادة النّظر فيما كتبتُ وكي لا أكرّر نفسي قدر المستطاع في النّصوص التّالية. الشّعر بالنّسبة إليّ لا يقتصر على كتابة النّصوص أو القصائد الجديدة. أنا أمارس الحياة شعراً. وحين لا أكتب، أكون في حالة تلقّي جماليّات الكون عبر فعاليّات عدّة منها القراءة. أريد الغوص أعمق واكتشاف ما تخبّئه أغوار اللّغة والخيال. الدّخولُ في مرحلة جديدة وفتحُ باب يقودك إلى مكان غامض، يوفّران متعة الاكتشاف، متعة أن تمسح زجاج الرّؤي ومرايا الرّوح وأن تصقل سطوح الفكر بكلّ ما يتيحه المكان الجديد والثّقافة الجديدة والأشخاص الجدد الذين يدخلون دائرة الاهتمام. بعد وصولي إلى السّويد بفترة لا بأس بها انتابني خليط مدهش وغريب من المشاعر والأفكار والخيالات. كانت المدينة بيضاء تماماً عند وصولي.. حتّى البحيرة الشّاسعة فيها كانت مساحة جليد أبيض.. بعد ذلك بدأتُ اكتشاف تضاريسها وبيوتها وشوارعها وكلّ تفاصيل الجمال الذي ألتقيه لأوّل مرّة.. هذا كلّه جعلني في حالة مدٍّ شعوريّ وتأمّليّ. وهذا ما يسبق الكتابة عادةً. س 4 : – يدور شعرك منذ بداياتك في الفلك الوجوديّ المصطبغ بصبغة صوفيّة عميقة لكن دون أن يقطع صلته بالواقع المعيش وخاصّة واقع الحرب الذي بدأ يتشكّل في سوريةسنة 2011. لكنّ اللاّفت في نصوصك الأخيرة أن شعرك وان لم يبرح اللّون الوجوديّ الصّوفيّ ولا قطع صلته بالحرب قد اكتسب في قصائدك الجديدة بعدا كونيّا رحبا إلى حدّ أن الخطاب فيه صار كأنّه صادر عن ذات إنسانيّة عامّة لا سوريّة عربيّة .فهل أحسست بهذا التّطوّر؟ وإذا أحسست به فإلام يعود؟ ج: ملاحظتك هذه تسعدني, إذ هي تدلّل على نجاحي ولو قليلاً على تجاوز ذاتي التي تحاول الجغرافيا أسرها وكذلك تخطّي الواقع المعيش. بعد ديواني “صرت الآن غابة” وتوقّفي الإرادي عن كتابة الشّعر، اتّخذت قراراً بالتوقّف عن كتابة الحرب شعرا، أحسست أنّ لغتي أُتخمت بالبكاء والدّم والمأساة.. أصابع لغتي المدماة صارت تدهمني في الحلم. فقرّرت تعقيم الشّعر من لغة الصّراع ومن لون الدّم. لقد كتبت الكثير من القصائد عن الحرب. أمكنة طفولتي كانت في حضن طبيعة خلّابة وما رافق ذلك من أصوات وألوان وروائح. لا بدّ أنّ ذلك أثّر في طريقة رؤيتي لما حولي.. التّماهي مع الطّبيعة جعلني ألوذ كثيراً بالصّمت. والصّمت غالباً ما يستدرج العقل للعمل عبر نوافذ الحواسّ أي إلى التّأمّل ويفتح للخيال آفاقاً غير محدودة. منذ وعيي الأوّل نهلتُ من الأدب الإنسانيّ، قبل أن أعرف أحداً من الأدباء العرب، منذ همنغواي.. ودوستويفسكي, ومارغريت ميتشل وكازانتزاكي وغيرهم الكثير، كما أنّني تأثّرت في مرحلة مبكّرة جدّاً ب”جبران خليل جبران”, وهو كما تعلم يحمل فكراً إنسانيّاً كونيّاً. بعد ذلك أعتقد أنّ دراستي للأدب الإنكليزيّ عمّقت من توجّهي ذاك,.ولابدّ أنّ وعياً متقدّماً بنبل الإنسانيّة والفكر الكونيّ قد انغرس في أعمق أماكن الرّؤيا. الشّاعر كائن يعيش بلا حدود: لا حدود في مكانه.. ولا حدود في زمانه.. لأنّه ينبغي أن يحيا في القادم.. في الحلم.. فيما هو سائر إلى أن يكون.. لا وطن للشّاعر وللكاتب بصفة عامّة، طالما هو يتحرّك في مناطق التّواصل الإنسانيّ.. ومطلق القيم والمفاهيم التي لا تنتمي إلى أرض أو عقيدة أو إيديولوجيا، لا وطن للشّاعر غير إمكانيّات اللّغة، حتّى داخل بيت اللغة هو منفيّ أو مقيمٌ مؤقتٌ، لأنّه يندفع أبداً برغبته إلى التّجاوز. س 5 : أنت من الشعراء العرب المعاصرين القلائل الذين بلغت أصواتهم قرّاء الضّفة الشّماليّة بفضل المجموعتين الشّعريّتين قلبي الطائر وصرت الآن غابة اللّتين صدرتا لك بباريس.وقد رأيناك هذه السّنة تشاركين في لقاءات شعريّة تقرأ فيها قصائدك باللّغة السّويديّة .فما هو شعورك إزاء هذا الانتشار لشعرك في الغرب؟ وهل هناك مشروع لديك لصدور مجموعة لك باللّغة السّويديّة؟ وماذا كانت ردود فعل الجمهور السّويديّ الحاضر وهو ينصت إلى شعرك بلغته؟ ج: لا أشكّ في أنّني كائن محظوظ رغم كلّ شيء وأن يسبقني شعري إلى القارئ الغربيّ قبل أن ألتقيه فعليّاً .فهذا جواز عبور أخضر رفيع. لا أعرف مدى انتشار شعريّذ هناك. فمازلت في بداية خطوتي الأولى، بعد عبوري واقعيّاً إلى الضّفّة الشّماليّة البعيدة للأبيض المتوسّط. خلال مشاركتي في عدد من الفعاليّات الأدبيّة في أكثر من مدينة في السّويد، كانت لي فرصة القراءة والتّفاعل مع الجمهور وبالتّالي تلقّي ردود فعله الحيّ على قصائدي التي ترجمت إلى اللّغة السّويديّة، إضافة إلى بعض الحوارات الأدبيّة التي شاركت فيها الجمهور وتحدّثت خلالها عن تجربتي في الكتابة. هزّتني حرارة التّلقّي, لدى جمهور مختلف تماماً عما ألفته سابقاً.. ظننت أنّها حالة تعاطف معي كوني شاعرة سوريّة قادمة من بلد منكوب بالحرب.لكنّ قصائدي لم تكن عن الحرب. أن يستمع إلى شعرك جمهور نخبويّ ويأمل في تعاونك معه في ملتقيات أخرى فهذا مدعاة للفرح.. أن يتمنّى بعضهم تعلّم اللّغة العربيّة بعد قراءتي لبعض القصائ, وأن يُطالب الجمهور بترجمة المزيد من القصائد ففي ذلك أكثر ممّا توقّعت. كانت معظم القصائد التي ألقيتها تحمل ذاك البعد الإنسانيّ الذي سألتني عنه في البداي., هذه هي مناطق الجمال المشترك القادرة على تجاوز كلّ الخنادق والحدود وحتّى اللّغة ومعطيات الثّقافة المختلفة. في المأمول عدّة مشاريع أرجو أن أنجزها تباعاً.. ربّما بعد أن يُترجم المزيد من شعري سأعمل على إصدار مجموعة باللّغة السّويديّة. ثمّة جهات داعمة ترغب في التّعاون. وأرجو أن ننجح في تحويل المشاريع والأفكار إلى إصدارات جديدة. س 6: رأيناك تحضرين في السّويد لقاءات ذات صبغة ثقافيّة وأخرى ذات صبغة سياسيّة .فهل تحضرينها بصفة شاعرة فقط أم هل تشهدينها أيضا بصفة مثقّفة سوريّة تتعرّض بلادها إلى اعتداءات غاشمة متكرّرة من أطراف معادية شتّى؟ وهل لديك رسالة تحرصين على تبليغها في مثل هذه اللّقاءات؟ ج: أحياناً تدفعنا الجغرافيا إلى العيش في مكان آخر. وهذا ما تفعله الأحلام والطّموحات وإحداثيّاتها أيضاً. حينها وكي تتحوّل الجغرافيا الجديدة، إلى حالة ثقافيّة وكي نبني جسراً مع الآخر بدلاً من التّقوقع على الذّات، سيكون من المفيد جدّاً أن ندرك خصوصيات هذه الجغرافيا، ونتعلّم لغة شعبه،, ونطّلع على عاداته وموسيقاه وثقافته، وأن نشاركه الكثير من المناسبات، كي نعرف هذا الشّعب من الدّاخ،, وخاصّة عبر مشاركته حميميّات ذاكرته. هكذا أتعامل مع كل معرفة جديد،, باعتبارها نافذة أُطلّ منها على العالم. حضرتُ مناسبات ثقافيّة واجتماعيّة عدّة ككاتبة ومثقّفة سوريّة. لكنّ أخبار الحرب سبقتنا نحن السّوريّين إلى كلّ بلدان الدّنيا. وهذا محزن. كانت نظرات التّعاطف تجرحني في البداي., فأنا أعرف ما أحمل في جيناتي من عراقة الحضارة السّوريّة أمِّ الأبجدية وأصالتها .لكن سرعان ما لمستُ ما لدى المثقّف السّويديّ من معرفة بسورية.. أسعدتني هذه المعرفة الإيجابيّة عن بلدي في أذهانه. هم يعرفون أنّنا بلد علمانيّ وأنّ لنا خصوصيّة ضمن محيطنا الجغرافيّ. سمعت هذا من عدد من السّويديّين, وغالباً من أقابلهم هم من الوسط الثّقافيّ أو المثقّف. في احتفالهم بالعيد الوطنيّ لمملكة السّويد، دُعيت ككاتبة ضيفة لحضور بعض الفعاليّات الشّعبيّة. وبالمصادفة قابلت تلك الشّخصيّة السّياسيّة والدّبلوماسيّة الرّفيعة “يان الياسون” الذي جعل إحساسي بالفخر كسوريّة يزداد أكثر فأكثر.. أسعدني أن يقول: “أرى في عينيك هذا الإصرار السّوريّ على الحياة والطّاقة على مواصلة الكتابة رغم كلّ شيء وأثق أنّ السّوريّين سيتمكّنون يوماً من إعادة بناء بلدهم”. في مناسبة أخرى دُعيت لإلقاء بعض القصائد أمام أعضاء مجلس المدينة، صنّاع القرار فيها. كانت هذه بادرة ترحيب وتكريم لكاتبة تستضيفها المدينة. أعبّر في كلّ مشاركاتي عن نفسي ككاتبة ومثقّفة وكامرأة سوريّة قويّة عاشت الحرب لسبع سنوات عجاف ومازالت قويّة وقادرة على الاضطلاع بدورها في الحياة.. وبما يعكس زادي الثقافيّ والحضاريّ. هكذا وبشكل لاواع, أصير ممثّلةً لبلدي. وبعيداً عن التّبجّح أقول: أشعر بمسؤولية كبيرة حقّاً لأكون في مستوى يليق بسورية كوطن وحضارة وجمال. لكنني لست في وارد المشاركة في أيّ مزادٍ لبيعِ مواقفَ سياسيّة،إذ لطالما نأيت بنفسي عن الخوض في هذا المجال، رغم عدم إعجاب معظم الأطراف بذلك! ليست وظيفة المثقّف أن يتخندق هنا أو هنا،, بل أن يكون جسراً بين الجميع. كنت ومازلت جزءً من الشّعب السّوريّ الطّيّب والكريم، رغم كلّ ما كشفته الحرب على أكثر من صعيد. وأنا لا أنطلق من المستوى الرّومانسيّ. بل من القاعدة التي ترى أنّ التّفهّم والحبّ هما الدّواء الأكيد لعلاج الشّروخ والاختلافات وكذلك الاحترام المتبادل. ألتقي مع كلّ قادر على الحوار بهدوء وجدّيّ, لكن لا ألتقي أبداً مع أيّ نوع من التّطرّف والتّعصّب أيّاً كان نوع هذا التّطرّف والتّعصّب ومستواه. هذه هي رسالتي: إشاعة الحبّ والسّلام والجمال. س 7 : تعدّين شاعرة محظوظة ،لأنّ تجربتك الشّعريّة كانت محلّ درس في كتابين نقديّين: أحدهما للنّاقد التّونسيّ محمّد صالح بن عمر, والآخر للنّاقد السّوريّ عماد الفيّاض, فما هو موقفك من النّقد عامّة؟ وهل أضاف إليك هذان الكتابان شيئا جديدا؟ أي بلغة أدقّ هل النّقد ضروريّ حقّا للشّذاعر أم هل هو أمر تكميليّ؟ ج: نعم أنا كائن محظوظ، كما دائماً. ولي أسباب كثيرة لأشعر بذلك وليس فقط بسبب كتابيْ النّقد. جميل ومفيد أن يتناول النّقدُ ملامحَ،أو مستوى معيّناً ممّا يمكن أن أسمّيه تجربتي الشّعريّة. الكتابان النّقديّان تناولا شعري من منطلقيْن مختلفيْن, ففي حين تناول كتاب البروفسور محمّد صالح بن عمر بعض النّصوص بالنّقد والتّحليل وباللّغتين العربيّة والفرنسيّة، تناول الشّاعر والنّاقد عماد فيّاض تجربتي المتوفّرة في دواويني الشّعريّة الأربعة, ومن مستوى رؤيويّ آخر. النّقد إن أجاد وظيفته، فهو عون للكاتب وللقارئ على حدّ سواء. أعتقد أنّ وظيفة النّقد تكمّل وظيفة الكتابة، بالعمل على سبر أعماق النّصوص وما تُرك مخفيّاً فيها.. بعض النّقد قادر وبعين البصير, أن يعرف حالات الكاتب النّفسيّة ومخفيّات لاوعيه. مدارس النّقد كثيرة، بعضها تقليديّذ وبعضها ما يحاول الارتفاع بمستوى النّقد ومواكبة جديد النّصّ الإبداعيّذ. أميل إلى النّقد الثّقافيّذ وما بعد الحداثةوالنّقد المعرفيّذ. النّقد الجادّ قادر على رفع النّصّ إلى ما يستحقّ،إن كان يستحقّ من عنايةٍ واحتفاءٍ وضوء.. إنّه الغربال اللاّزم لتنقية الحنطة من الزّؤان. أرجو أن تحظى دواويني بمزيد من الدّراسة, لأنّني مازلت أرى أن فيها ما يستحقّ فتح مغاليقه وقراءة ما وراء الكلمات وفكّ طلاسم المعنى الأبعد. س 8: كيف تراءت لك في السّويد نظرة الغرب إلى الوطن العربي والعرب بوجه عامّ ؟ وهل وجدت صعوبة في التأقلم؟ أم ثمّة هناك تمييز بين العربيّ المتمدّن المثقّف والعربيّ المتعصّب الممارس للعنف؟ ج: من البديهيّ أن أقول إنّ الإعلام لعب ومازال الدّور الأهمّ في رسم صورة نمطيّة للعربيّ في أذهان النّاس في الغرب،ولم يتمكّن أيّذ إعلام عربيّ، للأسف، من التّوجّه إلى هذا الغرب،على مستوى الشّعوب لا الحكوما،, للعمل على تغيير صورة العربيّ الهمجيّ البدويّ الذي يقود قطيعاً من النّساء خلفه والذي لا يتوانى عن حمل السّيف والقتل حال توجيه أيّ انتقاد لما يعتقده مقدَّساً! الزّمن الذي قضّيته هنا في السّويد قد لا يخوّلني الحكم بدقّة. وهذا ما أريده دوماً أعني توخّي الدّقّة. لكن من تعاملت معهم كانوا في منتهى اللّطف والتّعاون والتّقدير. لتغيير الصّورة النّمطيّة، نحتاج كعرب إلى وفرة من النّماذج الجيّدة خاصّة الآن مع تدفّق اللاّجئين من عدد من البلدان المنكوبة بالحرب والفقر إلى أوربا. يشكّل التّطرّف الدّينيّ العائق الأكبر في رسم صورة أفضل للعرب. وهذا بدوره أدّى إلى تنامي ظاهرة التّطرّف المقابل، أي صعود اليمين المحافظ في أوربا. في أيلول ثمّة انتخابات في السّويد. وقد لمست لدى بعض السّويديّين خشية من نجاح اليمين المتعصّب الذي سيعمل على إعادة رسم عدد من السّياسات. وهو يمين محافظ حتّى على مستوى الحياة السّويديّة. فما بالك بموقفه من اللاّجئين! مهمّتنا كعرب تبدو صعبة للغاية. والنّماذج المضيئة للمثقّفين والنّخبة العرب تكاد لا تكون كافية لإحداث فرق كبير. مثل هذا الأمر يحتاج إلى جهود جبّارة لمؤسّسات وليس لجهود أفراد أو عدد من العرب المتميّزين. على المستوى الشّخصيّ لم أواجه حتّى الآن أيّ مشكلة أو عائق في التّأقلم والتّعامل مع معطيات الواقع الجديد. بل ألمس حماسة جميلة لدى عدد من الأطراف للتّعاون في سبيل تقديم ما هو جميل ويصبّ في بحر المشتركات الإنسانيّة. س 9: حدّثينا عن مشروعاتك القادمة القريبة منها والآجلة . ج: لديّ الكثير ممّا ينبغي القيام به. لديّ رواية يوميّات كتبتها قبل سنوات قليلة ولم تُنشر بعد. وهي تؤرّخ لأوقات وأيّام وأحداث كثيرة ومرعبة عشتُها في الحرب خلال عامي 2011- 2012 سأعمل على أن تبصر النّور, ولعلّي مع نهاية عام 2018 أو بدايات 2019 أُصدر ديواناً جديداً, في جعبتي أيضاً مسوّدات واسكتشات أوّلية لرواية أخرى تتناول الحرب والحب.. وأشياء أخرى قد تتبلور وأُعلن عنها في الوقت المناسب. مع بداية الموسم الثّقافيّ الجديد، أي بداية من شهر أيلول/ سبتمبر لديّ جدول نشاط حافل في عدّة مناسبات ثقافيّة في عدد من المدن في السّويد، إضافة إلى محاولة ترمي إلى تقديم العون للأطفال العرب الموهوبين في المدينة التي أقيم فيها عبر إقامة ورشة للكتابة الإبداعيّة. من هي سوزان إبراهيم؟ ولدت بمدينة حمص السّوريّة . تخرّجت في جامعة البعث بكلّيّة الآداب قسم اللّغة الإنقليزيّة. تحمل دبلوم تأهيل تربويّ . مارست العمل في مجال التّرجمة من عام 1995 إلى عام 2004 في واحدة من أكبر الشّركات الصّناعيّة السّوريّة . ومن عام 2004 إلى عام 2014 اشتغلت صحافيّة بجريدة الثّورة السّوريّة حيث التحقت سنة 2007 بالقسم الثّقافيّ . في رصيدها عدد كثير من التّحقيقات الصّحفيّة والمقالات والزّوايا . عضو اتّحاد الكتّاب العرب وجمعيّة القصّة والرّواية. انتقلت مطلع عام 2015 إلى العمل في وزارة الثّقافة- هيئة الكتاب السّوريّة – مديرة للتّرجمة. عادت عام 2016 إلى الاشتغال صحافيّة بجريدة الثّورة السّوريّة. لها في الشعر : لتكن مشيئة الرّبيع ، دار التّوحيديّ ، حمص 2003. كثيرة أنت ، دار التّكوين ، دمشق 2010. أكواريل، دار التّكوين، دمشق 2014. صرت الآن غابة ،دار ليندا للنشر، السويداء، سورية 2017. وفي القصّة القصيرة : حين يأتي زمن الحبّ ، دار التّوحيدي ، حمص 2003 امرأة صفراء ترسم بالأزرق ، دار التوحيديّ ، حمص .2005. لأنّني لأنّكَ ، دار بعل ، دمشق 2009. لها باللّغة الفرنسيّة : Mon cœur l’oiseau, traduction de Mohamed Salah Ben Amor,Edilivre,Paris 2015. Je suis devenue à présent une forêt, traduction de Mohamed Salah Ben Amor,Edilivre,Paris 2017. صدر عنها : محمّد صالح بن عمر، الشّاعرة سوزان إبراهيم ، سلسلة “وجوه شعريّة من العالم”(3)، تونس 2015. عماد الفياص ، فرادة الرؤيا وجمالية العبارة في شعر سوزان إبراهي 2018-07-10 محمد صالح بن عمر شاركها ! tweet