ذرفتُ نهري وطيوري : شعر : حسن العاصي – شاعر فلسطينيّ مقيم في الدّانمرك 26 يناير,2018 حسن العاصي أحببتُ في صغري كتباً كثيرةً تعلّقتُ ببعضِها كطفلٍ يشدُّ ثوبَ أمِّهِ عشقتُ أخرى وأخفيتُها في ملامحي وهربتُ من كتبٍ سفكتْ عافيتي حينَ قرأتُ قصيدةً أوّلَ مرّةٍ انكمشَ صدري خلفَ القميصِ راودني قلبي عن الحروفِ جثوتُ فوقَ شفقِ الحكايةِ نظرتُ إلى وجهِ القصيدةِ عيونُها تحدٌقُ في الوجعِ العاري حروفُها تطفو فوقَ فوّهةِ الأفقِ والسّطورُ رماحٌ تطعنُ الضّجيجَ خالَ لي حينها أن الشِعرَ قِدْراً أسودَ تنضجُ فيه الطّلاسمُ والتّمائمً لحظاتٌ استدرجتني لسدرةِ المعنى صريرُ صدري كان مثلَ شجرٍ يتقلّبُ ظلَّ قلبي يؤلمُني مسافةَ موكبِ الرّملِ مسّني هسيسُ المخطوطْ في اللّيلِ كنتُ أسمعُ صراخَ عصافيرِ الماءِ يأتي من وريدِ الرّيحِ الجافِّ جهةَ النّهرِ الكسيحِ أستيقظُ مرتعباً وحيداً كلَّ صباحٍ في كلِّ نوبةٍ هلعٌ تتلبّسُ جسدي الحمّى تصبُّ أمّي الرّصاصَ السّائلَ على الماءِ فوقِ رأسي ترتّلُ العمّاتُ أورادَ الطّقوسِ الرّوحانيّةِ يأبى مجنوني أن يغادرَني تقولُ أمّي صدرُ ابني مثقوبٌ كلّما بكتْ أصابعُهُ يخرجُ من ضلوعِهِ نخلٌ ورمّانٌ لكنّ قلبَهُ سيموتُ في كلِّ صكِّ مولودٍ ظمئي لخزائنِ المطرِ يقشّرُ عشبي جَرّتني صاريةُ نهري من فيضِ الخشوعِ للصّراخِ المشروخِ كنتُ كما أذكرُ جنوني أضمُّ القاربَ في جيبي أشدُّ قلبي كي أسمعَ فاكهةَ السّفرِ وتسألُني بلابلُ الطّريقِ كيف تنامُ القصيدةُ إن لم يجدِ الصّغارُ شمساً يرمونَ لها نواجذَهم أو ساقيةً تلهو فيها مراكبُهمُ الورقيّةُ شجرةٌ ربّما يختبئونَ خلفَها لهذا ابتعتُ قِدْراً وقطفتُ الخرزَ الأخضرَ وصرتُ ناسكاً كتبتُ أوّلَ قصيدةِ فارقَ التّوتُ قلبي لم أبرحْ لوني ولم أقرّبْ زادي مسافةَ حقلٍ يقتلُني هذا الجنونُ ولا يهجعُ أحرقتُ كثيراً من الصّورِ وفديتُ قيدي بقمحٍ عظيمٍ قبل أن أكتبَ الدّيوانَ الأوّلَ قالوا انجُ بنفسِكَ قبل أن يغتالَك قلبُكَ لكنّني يا ربّي مسكونٌ بالوجوهِ الحافيةِ كيفَ تستقيمُ القصيدةُ وكلّما دعا العشبُ أحبّتَنا للنّومِ يفتحونَ لهم نوافذَ الأرضِ خلفَ السّورِ قد بلغَ الهذيانُ الانشطارَ القصيدةُ تنتشي بالخواءِ الثّقيلِ تتسكّعُ أسفلَ الظّلالِ لا معالمَ في الحروفِ لا مكانَ لبساتينِ التّينِ القصيدةُ تغمضُ عينيْها تبدأُ اللّوعةُ هنا من وهبَ الولادةَ شهقتَها؟ من أسقطَ المواسمَ في فوضى اليقظةِ؟ محنةُ المرءِ أدغالُ المباهجِ لا تظنَّ رحمَ الماءِ ضريرًا فهي معصيةٌ تربكُ وجهَ الغابةِ لذلك هشّمتُ قِدْري قالوا للنّذرِ أربعينَ وحياً ما غفوتُ لكنَّ العصبَ اختمرَ بلوحتي الأخيرةِ كنتُ وحيداً في قاعِ القلقِ وفوقَ ظهري شقاءُ العابرينَ خلفَ غيمةٍ تفورُ تركتْ صدري مفتوحاً ذرفتُ نهري وطيوري مزّقتُ قصائدي وبقيتُ أنا مجنونُها حزيناً أهلوسُ بتعاويذي أكرهُ النّومَ وأستيقظُ ما زلتُ مرتعباً ولا زلتُ كلّما كتبتُ قصيدةٍ ماتَ قلبي 2018-01-26 محمد صالح بن عمر شاركها ! tweet