نُصوصُ الصِّينِ(الجُزءُ الثّانِي): شعر:محمّد بوحوش – شاعر تونسيّ – بيكين – الصّين 12 يونيو,2017 اسم تونس باللّغة الصّينيّة محمّد بوحوش 1- قلْ مَا تشاءُ، قلْ إنّكَ مُرهقٌ أوْ غريبٌ، لكنّكَ اليومَ تستيقظُ منَ الوهْمِ إلى الحُلمِ الجميلِ ، فتحلمُ ، ولا تسْتفيقُ إلاّ لِتحلمَ من جديدٍ هنَا في الرّيفِ السّعيدِ بأرضِ الصّينِ. 2- في مدينةِ نانْ شانْق حيثُ معقلُ الثّورةِ وبَقايا ثوّارٍ كبارٍ، حيثُ الرّاياتُ الخفّاقةُ الحمراءُ، حيثُ هتافاتُ الحُريّةِ، وعلاماتُ النّصرِ في كلِّ مكانٍ… لكأنَّ الثّورةَ ابتدأتْ بالأمسِ في نانْ شانقْ، هنا حيثُ كانَ يخطبُ ماوْ في العمّالِ والفلاّحينَ الفقرَاءِ، ويُعِدُّ على أملٍ كتائبَ الثوّارِ … هنَا في مدينةِ نانْ شانْقْ قلبِي الأخضرُ ، يحْمرُّ فجْأةً. 3- خَطفتْني نوَارسُ في بُحيرةِ بويَانقْ قلبي الأبيَضُ نوْرَسةٌ بيضاءُ في حضنِ الأبديّةِ يَخضرُّ إمّا(إذا ما) حضرتَ يا وطنِي الحبيبُ، يا تُونسُ الخضراءُ. 4- في ريفِ الصّينِ في الجنوبِ الغربيِّ حيثُ البحيراتُ الكثيرةُ كالأشلاءِ المُمزّقةِ هنَا وهناكَ، وحيثُ الأرزُّ المُغمّسُ في الماءِ وَسط الحقولِ، فيمَا الأشجارُ العاليةُ تُسيّجُ المشْهدَ ، كأنَّ خياليَ أشلاءٌ مُشتّتةٌ في البَعيدِ حيثُ الأفقُ أزْرقُ وبعضُ الغيْماتِ بيضٌ. 5- في مَشْفى “أيْشنق” من مُقاطعةِ يونْقسيُو وفي يومِ سَبتٍ ، تحديدًا الثّالثَ عشرَ منْ شهْرِ مايو 2017 لمَحتُ شيئًا غريبًا في أعْينِ المُمرّضاتِ ، ربّمَا كنَّ يتَساءلنَ :منْ أيِّ جهاتِ الأرضِ حلَّ بيننَا هذا السيّدُ، أو كنَّ يتفرّسْنَ هيْئتِي ومُحيّايَ ، ربّمَا أيضًا جالَ بِخاطرِهنَّ أمرٌ مَا أوْ أمورٌ كثيرةٌ، لكنَّ مُمرّضاتِ المَشْفى ظللنَ دومًا يبتسِمنَ ، وبإشارةِ عيْنٍ يُلمّحنَ لي ـ لنأخذَ معًا بعضَ الصّورِ . كنَّ ممرّضاتٍ ذوَاتَ بَسْماتٍ حَالماتٍ، مُمرّضاتٍ كمَلائكةٍ بيضٍ أعْدَدْنَ لي بعضَ التّحايَا ، وتلويحةَ نصْرٍ، وأنا أغادرُ المشْفى حزينًا مُلتفِتا خلفِي ، لكأنّي في حُلمٍ بين مَلائكةِ الفرْدوْسِ. 6- التقيْتُ براهبٍ بوذيٍّ في سَاحةِ تيانْ آنْ مانْ ، حيَّيتهُ فانْحنَى لي، قائلاً : مرْحبًا بالأخُوّةِ، مرْحبًا… كانَ مُرتدِيًا عَباءةً ذاتَ ألوَانٍ أرْبعةٍ، كأنّهُ يقولُ لي :أنَا الأديانُ كلُّهَا، أنا مِنكَ وفِيكَ وإنِ اختَلفْنا، أنا مِثلكَ “أدينُ بدينِ الحبِّ أنّى توَجّهتْ ركَائِبهُ”. 7- أحيانًا أتسَاءلُ وأنا أتجَوّلُ وسَط الحُقولِ المُحيطةِ بالبُحيراتِ، البُحيراتِ التي تسيِّجُها الغاباتُ منْ كلِّ الجِهاتِ الأرْبعِ : ماذا لوْ أعْددتُ لي هَهنَا قبرًا جَميلاً، ونِمتُ في أوْجِ العَراءِ هانِئًا ونقيًّا … لكنَّ مِثلِي لنْ ينامَ ولوْ في القبْرِ إذا كانَ القبرُ بأرضِ الصّينِ. 8- “يانْهِي” ، “يانْهي”: (بمعنى : يومٌ سعيدٌ) أوْ “ايهَاوْ” ، “ايهاوْ”:( بمعنى : صباحُ الخيرِ) على جُلِّ الأفواهِ،في المَقاهي،في المَطاعمِ وفي الشّوارعِ … أنتَ أيضًا اسْتطعتَ أنْ تقولَ “يانْهي” و”ايهَاو”… كمْ اندَمجتَ وصِرتَ مثلهُم تأكلُ الأرَزَّ بالعِيدانِ! لكأنَّ أمّكَ ولدَتْكَ صباحًا بمَشفًى صينيٍّ ، ولمّا صرَخْتَ أطلّتْ عليكَ ،وقالتْ: “يانْهي”. 9- الصِّينيّونَ مُولعونَ بنصْبِ تَماثيلِ الأسُودِ فأمَامَ جُلِّ النّزلِ أسَدانِ : واحِدٌ منْ جِهةِ اليَمينِ والآخرُ منْ جِهةِ اليَسارِ . تُرى لمَاذا ينصبُ الصّينيّونَ تماثيلَ الأسُودِ ؟ هلْ لأنّها تَحْرُسُ الأبْوابَ منْ كلِّ الجِهاتِ، وتُخيفُ الغُرباءَ، أوْ لأنّهَا تُطردُ أعْينَ الحُسّادِ… لعلَّ تمَاثيلَ الأسُودِ تَشي بِقوّةِ الصّينيينَ . 10- الوُرودُ في شَوارعِ بيكينَ مُتاحةٌ لكأنّهَا مُلقاةٌ على أطرافِ الطّرقِ، كما المَعاني عندَ سيّدِنا الجَاحظِ العَربيِّ ، لكنِّي أخْجلُ منْ أنْ أقْطفَ ورْدَةً، فالوُرودُ مزْرُوعةٌ هنَا للجَميعِ. 11- الحَديقةُ في بيكينَ عندَ المَساءِ مَلْأى بأزْواجِ العَصافيرِ ، العَصافيرُ تشدُو وتسْردُ بَعضَ الحكَايا… وحْدهُ عُصفورٌ مَسائيٌّ لا يُغنّي ، عُصفورٌ تونسيٌّ وحيدٌ في حَديقَةٍ يسْردُ على نفْسهِ ذِكرياتِ طفولةٍ مُستعادةٍ . 12- السّماءُ في ريفِ الصّينِ أقربُ إلى الأرْضِ، السّماءُ تكادُ تلامِسُ الأشْجارَ والأعْشابَ والتّرابَ ، السّماءُ تحنُو بغيْماتِها على الحُقولِ والهِضابِ، فتمْنحُها الجَلالَ والماءَ الزُّلالَ، السّماءُ هنا يَكادُ يبْلغُها الجَميعُ، ويَكادُ سَنَا بَهْجتِهَا يُضيءُ، السّماءُ في الصِّينِ شُيوعِيَّةٌ أيضًا!. 13- للحَياةِ هُنا في الصّينِ بَهجتُها ومُتعتُها، كأنْ لاَ أرضَ أعِدّتْ للنّاسِ سِوى أرضِ الصّينِ، كأنَّ الطّبيعةَ بجَميعِ عنَاصرِها تجمَّعتْ في واحِدةٍ، لتقُولَ:هُنا كانتْ بِدايةُ الخلقِ ،وفاتِحةُ التّكْوينِ ، ومُنطلَقُ الحيَاةِ. 2017-06-12 محمد صالح بن عمر شاركها ! tweet