زِحامٌ : شعر : عبد الله سرمد الجميل – العراق 2 مارس,2017 عبد الله سرمد الجميل طوابيرُ منَ السّيّاراتِ المُعفَّرَةِ بالمعاطفِ البيضاءِ ، وما فَتِئَ الطّاهي يُحزِّزُ الغمامَ ، فرصةٌ لِيَحيدَ موكبُ المُحافِظِ عن الطّريقِ الرّئيسةِ ، إلى طرقٍ فرعيّةٍ ضيّقةٍ لا تطأُها القدمانِ إلاّ وهما ملتصقتانِ ، فرصةٌ لِتُطفئَ المُحرِّكَ وتُشغِّلَ المذياعِ هازئاً بتوبيخِ المديرِ ، فهذهِ إجازةٌ من ربِّ السّماءِ ، فرصةٌ لِيسألَكَ طفلكُ من المَقْعَدِ الخلفيِّ : ما شعورُ تلكِ النّخلةِ المُغطّاةِ بالثّلجِ وهيَ ابنةُ الصّحراءِ ؟ فتجيبُهُ: لا شعورَ لها فهيَ نخلةُ زينةٍ ، فرصةٌ لِتفُكَّ أزرارَ رقبتِكَ ، ترجَّلْتُ وتعجّبُ المارّةُ لمّا رَأَوْني مُتَّزِناً وأنا واقفٌ مائلاً ، كانَ ظلُّكِ مسندي ، أيُّها المطرُ المشاكسُ ، أمَّلْتَ الصُّداةَ ففتّحوا أشداقَهم ، فهطلْتَ لكنْ من السّماءِ إلى السّماءِ ، ثمّ ارتددْتَ عنهم ولم تلمِسِ الأرضَ ، أيُّها المطرُ المشاكسُ ، تُبلّلُ حياتي كزجاجِ سيّارتي الأماميِّ وقد تعطّلتِ الماسحتانِ ، أيُّها المطرُ المشاكسُ ، تعلِّمُنا كيفَ تتحوّلُ الغرفةُ العراقيّةُ إلى بئرٍ ، فتحةٌ في السّقفِ نتيجةُ القصفِ ، ودمٌ يطفَحُ من القاعِ ، أيُّها المطرُ المشاكسُ ، كافياً كنْتَ لتنفُثَ في كلِّ شجرةٍ غابةً مُصغَّرةً ، كثيفاً كنْتَ لتُعلِّقَ في مُنحدَرِ النّهرِ حصاناً أسودَ ، طوابيرُ منَ السّيّاراتِ المُعفَّرَةِ بالمعاطفِ البيضاءِ ، وما فَتِئَ الطّاهي يُحزِّزُ الغمامَ ، وزلزالٌ يرُجُّ الرّاكبينَ ، تسقطُ العِمارةُ الأولى ، تسقطُ العِمارةُ الثانيةُ ، وأربعُ حمائمَ فوقَ سطحِ العِمارةِ الثّالثةِ يُثبِّتْنَها ، لماذا قامتي برجُ الحَمَامِ ؟ أنا المنشغلُ بالتّفتيشِ عنِ الرّعدِ الذي لم يتبعِ البرقَ ، والبرقِ الذي لم يسبِقِ الرّعدَ ، إلى الشّمسِ رمى الأطفالُ أسنانَهم فلم تُعِدْها إليهم ، ورميْتُ فوهبَتْني علبةً ، قالت الشّمسُ: لا تفتحَنَّها ، وفي ليلةٍ ذاتِ شغفٍ أزحْتُ غطاءَها ، وما زالتِ القصيدةُ تنبعثُ من تلكَ العلبةِ ، زِحامٌ زِحامٌ زِحامٌ ، ويُهْرَعُ الناسُ حينَ تُلقي امرأةٌ سلّةً وتركضُ ، يَحْسَبُونَها عَبْوَةً ، وحدي أقتربُ من السّلّةِ ، وحدي أرفعُ الطّفلَ الرّضيعَ ، زِحامٌ زِحامٌ زِحامٌ ، معكِ أختصرُ الطّريقَ بالحديثِ ، ويتضاعفُ بَصَرُنا يتضاعفُ ، فنُبصِرُ حتّى مُحْتَوَيَاتِ المَحَلّاتِ المغلقةِ ، سمَّيْتُكِ منارتي ، وأجَّلْتُ حبَّكِ مثلَما يؤَجِّلُ الموتُ كلَّ شيءٍ في هذا الوطنِ ، أنتِ لا تسخرينَ ، هم يسخرونَ ، أنتِ تعلمينِ ، هم لا يعلمونَ أنَّ بعضَ البشرِ كائناتٌ من زجاجٍ ، لا تصلُحُ لغيرِ القراءةِ والكِتابةِ ، كنْتُ أبتدئُ كلامي معَها عن الحربِ التي في رأسي ، تَكْفَهِرُّ المسافةُ بينَ فمي وفمِها بالدّخانِ ، فتضغُ قشورَ البُرْتُقالِ على المِدْفأةِ ، ما أقسى أن تكونَ مُعلَّقاً كمدينةٍ نصفِ مُحرَّرةٍ ، كشيخٍ دُفِنَ في الجانبِ الأيمنِ ، وأهلُهُ في الجانبِ الأيسرِ ينتظرونَ ، لِيَفتحوا القبرَ ويُعيدوهُ إلى مقبرةِ العائلةِ ! – لماذا بُنِيَتِ المنارةُ الحدباءُ في المَوْصِلِ ولا بحرٌ لتلكَ المدينةِ ؟ – بلى يا صديقي، بحرُ دمائِنا ، طوابيرُ منَ السيّاراتِ المُعفَّرَةِ بالمعاطفِ البيضاءِ ، وما فَتِئَ الطّاهي يُحزِّزُ الغمامَ ، والعائدونَ ليلاً من الجريمةِ وَشَتْ بهم عينُ البومةِ ، والنّهرُ وشى بهم ، النّهرُ لا ينامُ ، النّهرُ يُزعِجُهُ خريرُهُ ، النّهرُ يكرَهُ نفسَهُ ، لا يَأْلَفُ أطفالُنا النّسيمَ ، يأْلَفونَ عَصْفَ الانفجارِ ، الهواءُ الصّيفيُّ السّاكنُ لا يُرقِّصُ الوُرَيقَاتِ ، أمّا هاماتُنا فتتمايَلُ ، هاماتُنا الأخفُّ ، ونحنُ صِغارٌ كانَ أهلونا يُغطّونَ عيونَنا بأياديهم ، أمامَ مشاهدِ القُبُلاتِ في التِّلْفازِ ، كبِرْنا فأينَ أياديهم لِتحجُبَ عنّا مشاهدَ القتلِ في شوارعِنا ؟! الآخرُ لا يسألُني: في أيِّ حَيٍّ بيتُكَ ؟ بل: من أيَّةِ مقبرةٍ أقبلْتَ ؟ أمسِ رأيْتُهم ، أهلَ مدينتي بعدَ حصارٍ دامَ ثلاثَ سنينَ ، كلَّمْتُهم ولم يكلِّموني بأفواهِهم ، صافحْتُهم ولم يُصافحوني بأصابعِهم ، ها هوَ جلدُهُمُ المُتقرِّحُ من ماءِ البئرِ ، قد نبَتَتْ عليهِ طحالبُ العطشِ ، ها هيَ عيونُهُمُ الجائعةُ حَدَّ التماعِها عندَ مرورِ الكلابِ والقططِ ، أبصارُهم صارَتْ مناظيرَ حربيّةً ، أسماعُهم تجفَلُ من عُلُوِّ صوتِ الموسيقى ، هُمُ الرافضونَ القُمصانَ فالسياطُ على ظهورِهم ما زالَتْ طريّةً ، هنَّ الساهراتُ بناتُ عَمِّ النّجمةِ ، نجمةٌ في سُرَّتِكِ وأخلعُها ، يتدفَّقُ نهرٌ من اللاّزَوَرْدِ ، مهلاً فعاصفتي تغيِّرُ اتّجاهَ تيّارِ النّهرِ ، هل أمدحُ الجبالَ ؟ الجبالُ سدودُ الهواءِ ، فوقَ حَلْبَةِ الاختناقِ غلبَتْكَ الطّبيعةُ أيُّها الإنسانُ ، إنَّ الخيانةَ انبثقَتْ حينَ لم يَعُد المطّاطُ مُطاوِعاً ، سلامٌ على تشبيهاتِ بائعِ الخَضْرَواتِ والفواكهِ ، عشرُ أشجارٍ متماثلاتٍ ، واحدةٌ منهنَّ نسيَتْ صوتَ لِحائِها ، حيثُ أصنافُ الطيورِ تغرِّدُ في أغصانِها ، والتِّسْعُ الأخرياتُ لا يزورُهنَّ طائرٌ واحدٌ ، هيَ هكذا ، ممشىً أحمرُ يُحيطُ الحديقةَ ، فلا تلمِسَنَّ إِخوةَ هذا اللّونِ ، مثلاً رأيْتُ الأخضرَ يتقمَّصُ حيلةَ العَدُوِّ ، ما النّباتُ المتسلِّقُ على الحائطِ إلاّ مغولٌ يتسوَّرونَ قلعةَ بغدادَ ، مثلاً رأيْتُ أزرقَ الماءِ وأزرقَ السّماءِ يتعاركانِ ، ثُمَّ بغيمةٍ يتصالحانِ ، إذ انتماءُ الغيمةِ ليسَ لهذا ولا لتلكَ ، من رَحِمِ الماءِ تُولَدُ ، ولولا عتلةُ السماءِ أعني الريحَ لما ارتفعَتْ ، مثلاً رأيْتُ الأسودَ يتبرَّأُ منهُ الفحمُ والليلُ والعيونُ السومريّةُ . 2017-03-02 محمد صالح بن عمر شاركها ! tweet