الشاعرة السورية سوزان إبراهيم ل”مشارف”( الجزء الأوّل ) : كلُّ ما نملكه هو أبجديّةٌ منسوجةٌ بالحبّ، بالخير، بالحقّ ،بالجمال.. هي رسالتنا إلى كلّ العالم بأنّنا ننتصر على الحرب بمزيد من نشر الحبّ والسّلام 28 نوفمبر,2016 بمناسبة صدور المجموعة الشّعريّة الرّابعة للشّاعرة السّوريّة سوزان إبراهيم عن دار ليندا للنّشر بالسّويداء بسورية وقرب صدورها بالفرنسيّة في باريس أجرينا معها هذا الحوار لنستطلع رأيها في هذا الحدث وفي قضايا أخرى لها صلة بتجربتها الإبداعيّة وبالحركة الأدبيّة في سورية اليوم عامة : س 1 : أوّلا مباركٌ عليكِ صدور مجموعتك الشّعرية الجديدة صرتُ الآنَ غابةً .وهذا ،في تقديرنا، حدث مهمّ في مسيرتكِ لأنّ هذه المجموعة صدرتْ أوّلا باللّغة العربيّة في سورية عن دار ليندا للنّشر بمدينة السّويداء ثمّ ستصدر قريبا باللّغة الفرنسيّة بباريس .فما هو شعورك وأنت ستخاطبين بنصوص واحدة وفي وقت واحد العربَ والنّاطقين بالفرنسيّة في الضّفّة الشّماليّة ؟ *** شكراً بدايةً لطيب كلامكَ. هي سعادة كبيرة في واقع الحال, فمع كلّ إصدار جديد أعيش نشوة الولادة وأنا أتوجّه عبر نصوصي إلى جمهور من القرّاء في محيطي النّاطق باللّغة العربيّة. ومثل هذه السّعادة أضحت مُضاعفة و”غابتي” التي هي إصداري الشّعريّ الرّابع تعبُرُ إلى الضّفّة الأخرى من المتوسّط لتصافح قرّاء اللّغة الفرنسيّة. بالتّأكيد سيكون التّلقّي مختلفاً لنصوص المجموعة على خلفيّة الاختلاف الجميل بين الثّقافتين العربيّة والفرنسيّة .وأنتظر لأرى نتائج هذا التلقّي وأين الالتقاء أو الاختلاف. كلُّ ما أرجوه أن تثير مجموعتي أصداءً طيّبة على طرفي المتوسّط. وهنا لا بدّ لي من توجيه شكر خاصّ للأستاذ محمّد صالح بن عمر مُترجم المجموعة الجديدة الذي دأب على الارتقاء بالشّعر والشّعراء إلى مستوى عالميّ عير حديقة النّصوص. س 2 : في الحقيقة أنتِ اليوم واحدة من مجموعة كثيرة العدد من الأدباء والفنّانين السّوريّين الذين لم تقدر الحرب على إيقاف أصواتهم رغم ما تتسبّب فيه كلّ يوم من قتلٍ ودمارٍ بل نراهم يواصلون نشاطهم الإبداعيّ على نحو مكثّف كما لو أنّ بلادهم في حالة سِلْم .وهو ما يبعث حقّا على الإعجاب. فكأنّ سورية تتحدّى الحرب لا بالجيش فقط بل بالأدب والفنّ أيضا! ***إنّه ببساطة رهانُنا على الحياة.. هو أسلوبنا في تفادي الموت قتلاً.. نحن أصحاب الحرف كلُّ ما نملكه هو أبجديّةٌ منسوجةٌ بالحبّ، بالخير، بالحقّ ،بالجمال.. هي رسالتنا إلى كلّ العالم بأنّنا ننتصر على الحرب بمزيد من نشر الحبّ والسّلام.. إنّنا نسابق الموت ونخشى على آخر رمق من حياة أن يُخطَفَ منّا فجأة وفي جعبة لغتنا ما يجب أن يقال.. الحرب تُواجَهُ بنشر الحياة.. والشّعر أو الفنّ امتدادٌ لمبدعيه في الزّمان. نكتب دوماً “لأنّنا نحبُّ الحياةَ إذا ما استطعنا إليها سبيلاً” كما قال محمود درويش. س 3 : في ظلّ الحرب الدّائرة رحاها منذ أكثر من خمس سنوات يلفت النّاظرَ من خارج سورية تعدّدُ الأصوات الشّعريّة مع اشتراكها في سمة بارزة هي السّعي إلى الجمع بين الجانبين الجماليّ والوجوديّ .وذلك بمحاولة الارتقاء في تصوير الواقع المأسويّ السّائد إلى أعلى درجة ممكنة من الألق الجماليّ، باجتناب الخطابة والخطاب المباشر ،ربما بتأثيرٍ من محمّد الماغوط وأدونيس ومع الغوص عميقا في باطن الذّات لنقل ما تخلّفه فاجعة الحرب من آثار نفسيّة وذهنيّة .فهل توافقين على هذا الرّأي ؟ ***من قلب الحرب وُلد جيلٌ شعريّ سوريّ جديد، إلى جانب أجيال سابقة تواكب الحرب بردّات فعل شعوريّة وعاطفيّة وجماليّة عالية المستوى في معظمها. شكّلَ الجديدُ الشّعريّ في سورية نقلةً نوعيّة في المشهد السّوريّ وربّما العربيّ باكتشاف أساليب جديدة في توظيف اللّغة والخيال والدّلالة وبناء وشائج بين الواقع والخيال بطريقة ماهرة. في ظلّ الحروب تتغيّر المعاجم والمصطلحات.. هنا لا وقت للخطابة لمكلومٍ في الرّوح.. أو لنازفٍ في صميم الحرف.. فالموتُ لا يترك وقتاً لحزن عاديّ، لا وقت للأشياء العاديّة لأنّ الواقع المرير أعاد تشكيل اللّغة والخيال بصورة مختلفة.. قد تبدو بعض السّمات مشتركة بين معظم الشّعراء السّورييّن وهذا منطقيّ إذ هم يختبرون المأساة نفسها لكنْ كلٌّ منهم بطريقته وأسلوبه.. مع أنّ قماش النّص واحد: وهو الحرب. من بعض تأثيرات الحرب الاندفاع نحو العبث والشّعور باللاّجدوى ، نحو حالة وجوديّة لاستعادة بعض توازن النّفس التي تواجه فاجعة وطنيّة كبرى. المأساة طحنت الشّعراء ولغتهم, وهكذا صار خبزُ القصائد شهياً وبطعم مميّز. س 4 : المطّلعُ على مجموعتك الشّعريّة الأخيرة صرتُ الآن غابة الصّادرة عن دار ليندا للنّشر يلاحظ الاحتداد المتزايد لنبرة الحزن في شعرك رغم حفاظه على مُناخاته الوجوديّة والصّوفيّة. فهل هذا العنصر طارئٌ لأسباب شخصيّة عابرة أم هل يمسُّ رؤيتكِ للذات والكون من جرّاء الأوضاع الحاليّة ؟ ***الحزنُ صديق الشّعراء ولطالما كان كذلك. الحزن عندي لا يبدو عابراً بل لا بدَ أن له جذوراً ممتدّة في ارض الطّفولة. فمنذ وعيي الأوّل انتابني شعورٌ بأنّني هنا نتيجة خطإ مّا.. إنّني ربّما أخطأتُ الطّريقَ. منذ طفولتي شغلني البحثُ عن عالم آخر مرّة في الواقع ومرّات في الخيال. هذا الإحساسُ بالغربة هو أساس الحزن. فالشّاعر كائن المنافي لأنّه لا يهدأ ولا يركن لأرضٍ.. أو لإنجازٍ..نعم مازالت حالات التّأمّل الذي أحاول إتقانه هي ملاذي.. كما هي الطّبيعة بكلّ مكوّناتها.. الأوضاعُ الحاليةُ جاءت لتجعل التّناقض صارخاً بين الواقع و المكان المشتهى.. الشّاعر غريب حتّى في بيت لغته لأنّه يحاول باستمرار تجاوز ما صنعه بنفسه. الإحساس بعدم الانتماء إلى المكان أو حتّى إلى الزّمان هو أساس الحزن. وهذا حزن وجوديّ جوهريّ مقيم. س 5 : لقد تولّد عن النّكبات التي حلّت بالوطن العربيّ في السّنوات الأخيرة تراجعٌ شديد لحركة النّشر والتّوزيع. وهو ما أدّى إلى لجوء معظم الكتّاب والشّعراء إلى الفضاءات الافتراضيّة التي وفّرتها لهم شبكات التّواصل الاجتماعيّ والمواقع الألكترونيّة .فهل ساعدت هذه الفضاءات وتلك المواقع حقّا على الارتقاء بالأدب العربيّ أم هل تسبّبت، على العكس، في تدهوره لانعدام الرّقابة الفنّيّة وكثرة المتطفّلين؟ ***لنكن منطقيّينَ فنقولَ: نعم لطالما عانت حركة النّشر والتّوزيع في البلاد العربيّة صعوباتٍ كبيرةً .وهو ما انعكس سلباً بطبيعة الحال على كلّ المنضوين في دائرة الكتاب من المؤلّف حتّى القارئ. وحين انفتحت أبواب الفضاء الالكترونيّ وجد الكتّاب في ذلك ضالّتهم ، إذ هنا تنتهي الحدود والرّقابة العربيّة المشهورة ومقصّاتها الكبيرة والكثيرة وكذلك تكاد تكاليف الإنتاج تكون معدومة. وهذا أمر مشجّع. وعلى الطّرف الآخر من المعادلة نجد أنّ غياب الرّقابة على النّصوص- الرّقابة الأدبيّة واللّغويّة والنّحويّة أعني- شجّعت كلَّ من هبّ ودبّ على الكتابة, وأنا شخصياً ما كنتُ لأعترض على أيّ شخص يكتب. ففي الكتابة متنفَّس للأحزان والوساوس .لكنْ أن يصبح الفضاءُ الافتراضيّ مكاناً حاضناً لتفقيس أنصاف المواهب ثمّ لارتقاء سلّم الأمجاد الشّعري”ة الواهية فهذا مدعاة للسّخرية. لا يمكننا إنكار ما أتاحه هذا الفضاء للشّعراء الجيّدين والمتميّزين من فرصٍ للانتشار والتّواصل مع شرق البلاد العربية وغربها بل وعبور المتوسّط عبر التّرجمات. أُهيب بأصحاب المواقع والمجلاّت الالكترونيّة أن تتوخّي حدودا معقولة من الرّقابة على جودة النّصوص كي لا يكونوا سبباً في نشر التّافه وتلميع المعادن الرّخيصة. 2016-11-28 محمد صالح بن عمر شاركها ! tweet