الشّرقُ الذي يُسلَّطُ عليه سوطُ عذابٍ : شعر : ريمي دوكسّي – بستيا – كورسيكا- فرنسا 18 سبتمبر,2016 ريمي دوكسّي هذا الرّجلُ الذي جلسَ باديَ الحزنِ والقلقِ مردّدًا في عنادٍ: ” جئنا كلُّنا من الشّرقِ اليومَ انقصمَ قلمي وانكسرَ وحبري في قعرِ المحبرةْ جفَّ واندثرَ محبرةِ النّفوسِ المحطَّمةِ والعقولِ المدمَّرةْ” هذا الرّجلُ الجالس حذوَ نافذتِهِ الغارقُ في كآبتِهِ القابعُ في قاعِ هوّة من الأسى عميقةْ ومن الهمومِ سحيقةْ لا يبلغُ سمعَهُ إلاّ أزيزُ الطّائراتْ وأصواتُ المتفجّرِاتْ يا للشّرقِ يا للشّرقِ يا للشّرقِ الذي يُسلَّطُ عليه سوطُ عذابْ وحوّلُوه إلى خرابٍ ويبابْ أنا هو ذلك الرّجلُ .وأنتم من تكونونَ ؟ أنا هو الذي أردِّدُ في عناد: ” جئنا كلُّنا من الشرقِ وأنتم من تكونونَ ؟ “ أجيبُ أنا ،لأنّكمُ لا تجرؤونَ على الإجابةِ أجيبُ بأعلى صوتي ” حتّى أنتمْ… حتّى أنتمْ جئتمْ كلُّكُمْ من الشّرقِ”. هذا الطّفلُ الجالسُ في حضنِ أمّهِ الذي ظلمهُ القدرُ وشربَ سوءُ الحظِّ من دمِهِ وهذه أمّهُ على الأرضِ جاثيةْ واسكنّتْ في ركنٍ كئيبةً صامتةً ساهمةْ أرى خلفَ عينيْها الجافّتين لامبالاتَنا واستخفافَنا بمآسي المنكوبينْ وأرى في التفافِ جسدِها حولَ جسدِ ابنِها حركةً يائسةْ وحمايةً زائدةْ زائفةْ لأنّ الهواءَ الملوَّثَ قد فعلَ فعلهُ في جسدِ الطّفلِ النّحيلِ وزادتْ روائحُ الأنقاضِ العفنةِ في إذكاءِ آلامِ صدرِهِ العليلِ يا للشّرقِ الذي يُسلَّطُ عليه سوطُ عذابْ وحوّلُوه إلى خرابٍ ويبابْ ها أنا أطلقُ مرثيتي البدائيّةَ الحزينةْ بصوتٍ مدوٍّ كنصلِ سكّينٍ حادٍّ فلتنصتُوا إليها من فضلكمْ فلتنصتوا إليها : “يا للشّرقِ الذي يُسلَّطُ عليه سوطُ عذابْ وحوّلُوه إلى خرابٍ ويبابْ” تعليق : محمّد صالح بن عمر : صاحب هذه القصيدة هو أوّل شاعر كورسيكي انتخبته منذ إحداثي هذا الفضاء سنة 2009.وذلك بعد متابعة متأنّية دقيقة استغرقت قرابة الثّلاث سنوات لما ينشره في صفحته وفي المجموعات الشّعرية والأدبيّة التي أديرها. أمّا شعره فيتّسم بسمتين بارزين : التّعلّق الشّديد بالقيم الإنسانيّة السّامية ونبرة نقديّة حادّة شبه قارّة .وأمّا اللّون الذي يحبّذ الكتابة فيه هو ما يسمّى “الشّعر الفكريّ” أو “شعر الأفكار”.ومردّ ميله إليه ذلك دون شكّ إلى طبيعة شواغله التي هي في المقام الأوّل شواغل فكريّة ومدارها على قضايا عصرنا الحالي . وفي هذا الإطار بالذّات تندرج بكلّ وضوح القصيدة التي اخترنا قراءتها له في هذه المرّة .فقد صمّمها انطلاقا من فكرة مركزيّة مفارقة هي القول بانحدار الأوروبيّين المعاصرين من أجداد نزحوا في أحقاب سحيقة من الشّرق (” جئنا كلُّنا من الشرقِ”وأنتم من تكونونَ ؟ ” أجيبُ أنا ،لأنّكمُ لا تجرؤونَ على الإجابةِ أجيبُ بأعلى صوتي ” حتّى أنتمْ… حتّى أنتمْ جئتمْ كلُّكُمْ من الشّرقِ”.)، صائغا إيّاها في قالب خطاب يتأسّس على فعلين قَوْليّين : أحدهما إبراز الوضع الكارثيّ السّائد في المشرق العربيّ (هذا الرّجلُ الجالس حذوَ نافذتِهِ/ الغارقُ في كآبتِهِ /القابعُ في قاعِ هوّة من الأسى عميقةْ /ومن الهمومِ سحيقةْ /لا يبلغُ سمعَهُ إلاّ أزيزُ الطّائراتْ /وأصواتُ المتفجّرِاتْ /يا للشرقِ الذي يُسلَّطُ عليه سوطُ عذابْ/ وحوّلُوه إلى خرابٍ ويبابْ )والآخر هو التّنديد بلامبالاة الكثيرين من الغربيّين تجاه ما يجري في هذه المنطقة من العالم التي دمّرتها الحروب وعاث الإرهابيّون في أهلها تنكيلا وتقتيلا (أرى خلفَ عينيْها الجافّتين /لامبالاتَنا واستخفافَنا بمآسي المنكوبينْ ). أسلوبيّا إذا كانت طبيعة اللّون الشّعريّ الذي كُتبت فيه هذه القصيدة لا تقتضي مبدئيّا إنشاء الصّور المُشرقة المباغتة لكون الشّحنة الانفعاليّة التي يحملها الموضوع المطروق كافية وحدها لشدّ اهتمام القارئ فقد رأى الشّاعر من المفيد تعزيزها بأسلوب ثانٍ يحقق الغرض نفسه. وهو تقمّص شخصيّة الرّجل الشّرقيّ الذي يعيش اليوم وسط ذلك الجحيم . إنّها قصيدة مطابقة إجمالا لقواعد اللّون الذي كُتبت فيه .وهي تستمدّ قيمتها أساسا من البعد الإنسانيّ الذي ترمي إليه. 2016-09-18 محمد صالح بن عمر شاركها ! tweet