ذاكرةُ الرّحلةِ المنسيّةِ: قصّة قصيرة: بختي ضيف الله(المعتزبالله)- حاسي بحيح – الجزائر 3 يوليو,2016 بختي ضيف الله(المعتزبالله)- حاسي بحيح – الجزائر انطلقت الحافلة من أقصى الجنوب مرورا بالقرية الصّغيرة، متّجهة نحو إحدى المدن الكبيرة. أخذ شيخ طاعن في السّنّ كان جالسا على المقعد الخلفي يبكي بكاء بصوت مرتفع حتّى همّ جميع الرّكّاب بالنّزول في المحطة القادمة،أو في أقرب مكان، ولم يعرف أحد سبب بكائه. صاح أحد الشّبّان قائلا : – أنزلوه ..أنزلوه..يا جماعة الخير.. فردّ الشّيخ:لا ..لا أريد النّزول ..أرجوكم..واستمرّ في البكاء ، مناديا بأعلى صوته : ارحموني ..أرجوكم ،أنا ليست لي فكرة عن طريق الجبل ..ولا عن الوادي المالح ولاعن شجرة البلّوط الضّخمة..ليست لي أيّ فكرة ..والله.. ! أثار بكاؤه وكلامه استغراب كل الحاضرين حتّى الطّفل الصّغير الذي كان جالسا بقربه .. في المحطّة التالية ،نزل بعض الشّبّان ، متمنّين ألاّ تتكرّر رحلتهم القصيرة هذه وتمنّى بقيّة المسافرين لو نزل الشّيخ معهم . قال السّائق : – لو تتكرّر مثل هذه الحادثة فسأقدّم استقالتي وإن أعطاني صاحب الحافلة مال قارون .. إنّها لكارثةٌ..يا لطيف..يا ستّار.. ! في هذه اللّحظة التي طغى فيها داخل الحافلة جوّ من الاستغراب والقلق ،صعد رجل قصير القامة ،مقطوع اليد اليمنى ،بدت على وجهه علامات السّرور والبهجة والانتشاء بالنّصر كأنّه فاز للتو في معركة مع عدوّ .. – أهلا بك يا رفيق الكفاح ، أمازلت تخاف الصّعقات الكهربائيّة يا بطل؟لا تخف فنحن لم نعد من نزلاء سجن “جهنّم” وهذه الحافلة ليست على ملك المحتل ،أنت بين أهلك الآن وهؤلاء أبناء جيل الاستقلال ينعمون بالحرّيّة بفضل صبرك وتضحياتك . التفت نحو الرّكّاب مفسّرا للحاضرين أنّ تصرّفات الشّيخ الغريبة ناتجة عن حالة نفسيّة صعبة هي من آثار ظلمة السّجن الذي زجّ به فيه المحتلّ زمن الاستعمار وعذابه الذي لم يتخلّص من سوطه جسميّا ونفسيّا حتّى اليوم .. و عندما توقّفت الحافلة التفّ الشّباب حول الشّيخ مقبّلين رأسه وجبهته وآخذين معه صورا تذكاريّة . ذاع الخبر في الجرائد والقنوات التّلفزيّة و صدرت بعد فترة قصيرة رواية عنوانها ذاكرة الرّحلة المنسيّة.. 2016-07-03 محمد صالح بن عمر شاركها ! tweet