لسانُ النّخيلِ :عبد الله سرمد الجميل – العراق 6 أبريل,2016 عبد الله سرمد الجميل – العراق النّخلةُ الأولى: أنا فزّاعةُ السّاسةِ العراقيّينَ أتنزَّهُ في كوابيسِهم ، عمودي الفقريُّ ساقُ شجرةِ الزّقُّومِ ، وفروةُ رأسي ذئابٌ ساغبةٌ تنهَشُ لحومَ أسرّتِهم ، ولتكنْ جذوري الضّاربةُ مرايا تعكِسُ أكفانَهم ، وليكن سعفي المحشوُّ بالشوكِ وسائدَهمْ ، * النّخلةُ الثّانيةُ: أنا جثّةُ الوقتِ المبتورةُ بفأسِ طائفيّتِكم وماضيكم ، نزفي ليسَ نزفي ، نزفي خشبٌ يقطُرُ ، وقامتي تتظاهرُ في ساحةِ الهواءِ بلافتاتِ الخريفِ وانكماشِ التّمرِ، إنْ مِتُّ فادفنوني عموديّةً ، فأنا هكذا جثّةٌ في الهواءِ لا جثّةٌ في التّرابِ ، * النّخلةُ الثالثةُ: أنا إسطوانةٌ مخزونةٌ فيها رسالاتُ التّغريدِ ، حيثُ نقّارُ الخشبِ ساعيِ البريدِ ، * النّخلةُ الرّابعةُ: أنا منارةٌ للعصافيرِ اللاّمرئيّةِ بأثرِ الفنارِ مسترسلاً ، ورائحةِ الفراشةِ محترقةً وطعمِ التّويجةِ نديّةً ، أبداً أشِعُّ رغمَ الأفاعي الملفوفةِ حولي ، أبداً ثماري منوَّرَةٌ رغمَ حارسِ الحقلِ الخائنِ الذي يلقِّحُني بسُمِّ الوطنيّةِ ، أبداً أمدُّ سعفاتي إلى سفنِ النّازحينَ كحبالِ شوقٍ وأمانٍ ، وربّما كنْتُ نخلةً حدباءَ فالظلُّ المقوَّسُ أبلغُ في قلبِ الرّاعي ، * النّخلةُ الخامسةُ: مرّةً تحرّرتُ من تربةِ القيظِ ورحْتُ أحملُ لافتةً: نخلةٌ عاطلةٌ عن العملِ ، طردْتني ضفافُ دجلةَ والفراتِ ، فقررْتُ أن أزرعَني في قلبِ الأمِّ ، نخلةٌ تغرِسُ آخرَ جذرٍ لها في قلبِ الأمِّ ، نخلةٌ تشهقُ بستاناً ، بستانٌ يرفُلُ بمخلوقاتِ الأوكسجين ، * النّخلةُ السّادسةُ: على شاطئِ العزلةِ ألمحُ نخلةً نازحةً تسعى بحقائبِ الرّملِ كسعي هاجرَ ، تلوبُ حولَ ماءِ قصائدي ، فبمَ تفكّرُ هذهِ النخلةُ النازحةُ ؟ * النّخلةُ السّابعةُ: الآنَ أُلبِسُ هذهِ النّخلةَ ثوبَ صديقتي التي طُمِرَتْ تحتَ القصفِ ، الآنَ أتنزّهُ معَ هذهِ النّخلةِ ثمّ أغرِسُها في ماءِ عينيَّ ، لتكونَ منظاريَ الأخضرَ صوبَ الوطنِ ، * النّخلةُ الثّامنةُ: ريشٌ متفحِّمٌ يحوطُ النّخلةَ ، ريشٌ متفحِّمٌ كالأمارَةِ الخيرِ ، * النّخلةُ التّاسعةُ: أنا فلّاحٌ بصريٌّ أتسلّقُ نخلةً في سريري ، كقاربٍ يتسلّقُ شلّالاً بمجذافِ القُبُلاتِ ، الجلدُ أخضرُ وأصابعي تتكاثرُ باللّمسِ ، منها الخِنْصِرُ: طيرٌ سيّابيُّ الكرِّ والفرِّ ينقُرُ زجاجَ النّهدِ ، والبِنْصِرُ: سعدي يوسف مشغولاً بحياكةِ الأخضرِ وَفْقَ مقاساتِ اللّغةِ ، والوسطى: حجرةٌ دافئةٌ تستريحُ فيها اللغةُ ، والسّبّابةُ والإبهامُ لفركِ حلمةٍ تستنفرُ ، وحينَ تصلُ شبكتي قمّةَ السّمكةِ ، تهمسينَ: لو تقتصدُ فقبلةٌ واحدةٌ تكفي لتحرقَ هذا الجسدَ ، أهمسُ: ذراعايَ ثوبُكِ ، فيسقطُ التّمرُ على السّريرِ ، ما ألذَّ أن نستشفَّ اللؤلؤَ في المحارِ ، * النّخلةُ العاشرةُ: أزرعُ نخلةً في يديَ اليمنى ، أقترحُ أن تكونَ هذهِ الخطوطُ في باطنِ كفّي سواقيَ للنّخلِ ، هنا أخلقُ وظيفةً جديدةً لخطوطِ اليدِ فقد مللْنا قراءةَ العرّافةِ ، إذن يديَ الآنَ بستانٌ تَحُجُّ إليه الطبيعةُ ، يديَ الآنَ مبارَكَةٌ فليتمسَّحْ بها من يشاءُ ، يديَ الآنَ بصرةٌ جديدةٌ ! * النّخلةُ الحاديةَ عشرةَ: أزرعُ نخلةً أخرى في يدي اليسرى ، تارةً أسمّيها عكّازاً حينَ يكونُ اتجاهُ الكفِّ إلى الأرضِ ، وتارةً سلّماً حينَ يكونُ اتجاهُ الكفِّ إلى السّماءِ ، * النّخلةُ الثّانيةَ عشرةَ: تلكَ أقدمُ نخلةٍ معمَّرَةٍ في الأرضِ ، وما زالتْ تتقدّمُ في العمرِ ، مع كلِّ زفرةِ آهٍ تصدَحُ منّي ، * النّخلةُ الثالثةَ عشرةَ: مرّةً اختشبْتُ سفينةً للنّازحينَ من نخلةٍ ، جعلْتُ الهدهدَ رُبّانَها ، روَّضْتُ أسماكَ القرشِ من بابِ ( صادقْ عدوَّكَ ) ، وعقدْتُ هدنةً معَ هوجاءِ البحرِ ، لكنّ الذي خانَ هذهِ المرّةَ هو السّاحلُ الذي كلّما اقتربْنا راحَ يبتعدُ ، كجزيرةٍ أسطوريّةٍ عذراءَ تأبى أن يعانقَها مكتشفُها ، ومن كانوا يلوّحونَ لنا على السّاحلِ ذابوا مثلَ شموعٍ في كعكةِ الميلادِ ، قالَ الهدهدُ: لا تخافوا ولا تحزَنوا ، فنحنُ نازحونَ إلى بقعةٍ ليسَتْ على هذهِ الأرضِ ، * النّخلةُ الرّابعةَ عشرةَ: عندَ مملكةِ النّملِ تكونُ النّخلةُ ناطحةَ سحابٍ ، أو جسراً واصلاً بينَ القارّاتِ ، فالنملُ يحسَبُ ماءَ الصّنبورِ المتجمِّعَ بحيرةً ، لقد رأيْتُ دبّاً قطبيّاً يحكُّ ظهرَهُ بساقِ النّخلةِ منتشياً ، وقرداً يقرُصُ أُذُنَ نَمِرٍ ثمّ يتسلّقُ نخلةً فهوَ في مأْمَنٍ ، ورأيْتُ نَسْراً يجلِسُ القُرْفُصاءَ عندَ قمّةِ النّخلةِ ويقرأُ روايةَ شطِّ العربِ ، وغزالةً تحتمي من مطرٍ غيرِ متوقَّعٍ بمظلَّةٍ من سعفِ النّخيلِ ، وأنا الآنَ معَ حوريّةِ بحرٍ ، تزعُمُ أنّ نخلةَ بيتي هيَ التي دلَّتْها إليَّ ، كمنارةِ جسدٍ تدلُّ سفينةَ اللذّةِ ، * النّخلةُ الخامسةَ عشرةَ: سأمدحُ العراقَ في حالةٍ واحدةٍ ، إذا صارَ تَعْدادُ نخلِهِ مساوياً لتَعْدادِ الرّصاصِ والجثثِ ! * النّخلةُ السّادسةَ عشرةَ: رقصةُ النّخلةِ ركوعُها حتّى تعبِّئَ السِّلالَ ، نهارُ النّخلةِ تغلغلُها بينَ جبالِ الغيومِ وقطفُها شمساً ، ليلُ النّخلةِ مُقْمِرٌ بلونِ جلدِ الضِّفْدِعِ ، * النّخلةُ السّابعةَ عشرةَ: في لعبةِ ( الغُمَيضةِ ) أعدُّ إلى المئةِ ، وأُمهِلُ أصدقائي وقتاً أطولَ من اللازمِ ليختبئوا ، لأنّ ما يُغلِقُ عينيَّ ليسَ يديَّ ، بل جناحا ملاكٍ ممتدّانِ من نخلةٍ ، وأغرقاني في خيالاتِ الظّلامِ ، * النّخلةُ الثّامنةَ عشرةَ: أتشمّسُ على شبكةٍ مشدودةٍ بينَ نخلتينِ ، وعلى السّاحلِ تمشي الهُوَيْنا سُلحفاةٌ تخبّئُ نازحينَ تحتَ قوقعتِها ، * النّخلةُ التّاسعةَ عشرةَ والنّخلةُ العشرونَ يتعانقانِ ، يشكّلانِ قوساً رماحُهُ طيورٌ ، وجنديُّهُ غروبٌ مُزمجِرٌ فوقَ حصانِ البحرِ ، 2016-04-06 محمد صالح بن عمر شاركها ! tweet