في بيت شاعر الإنسانيّة وكاتبها العظيم فكتور هيقو : محمّد صالح بن عمر

OLYMPUS DIGITAL CAMERA

 

باريس 19 آذار/مارس 2016

ليس فكتور هيقو عند  الفرنسيّين وكلّ عشّاق الأدب الرّاقي في العالم مجرّد شاعر وكاتب كبير بل هو شخصيّة مرموقة، رفيعة القيمة استطاعت أن ترتقي إلى  درجة الرّمز الكونيّ الذي  يحظى بالإجماع التّام . ولم يتحقّق له هذا الصّيت  الباهر الذي  قلّ نظيره فقط بفضل المواهب الفذّة التي كان يتمتّع بها في  فنّي الشّعر والنّثر على حدّ السّواء – أليس هو من الأدباء النّادرين الذين برزوا عالميّا  في الشّعر، كما في قصيدته  “أسطورة القرون” التي عدّها الشّاعر الكبير شارل بودلار   النّصّ الشّعري  الحديث الوحيد المطابق لجنس الملحمة؟  وكذلك الشّأن في فنّ السّرد حيث حظيت روايته البؤساء ولا تزال بإجماع النّقاد وتُرجِمت إلى معظم لغات العالم . ففكتور هيقو يجسّد فضلا عن ذلك صورة المثقّف الملتزم الذي تصدّى بصراحة وبكلّ صلابة للانقلاب العسكريّ الذي نفّذه نابليون بونابرت سنة 1851، متّهما إيّاه بالخيانة العظمى.وهو ما تسبّب له في مكابدة آلام النفي والاغتراب  طيلة تسع عشرة سنة كاملة بمدينة بروكسيل البلجيكيّة ثمّ بالجزيرتين البريطانيّتين جرساي وغرنيساي  و إن كان قد استغلّ تلك السّنين الطّويلة القاسية  في تأليف  أهم” أعماله الأدبيّة ( العقوبات – التأمّلات – أسطورة  القرون – البؤساء).

هذه الحياة الخصبة وذلك العمل النّضالي الذي الدّؤوب قد جعلا هيقو يحظى بتعاطف الشّعب الذي خصّه سنة 1871 عند رجوعه من النفي باستقبال حارّ لا مثيل له .

ولتواضعه ورفضه الأبّهة أوصى قبل موته بقليل المقرّبين منه بألاّ  يجعلوا من وفاته حدثا لافتا وبأن ينظّموا له، على عكس ذلك،  جنازة شعبيّة عادية .لكن لم يكن من السّهل الاستجابة لرغبته، لأنّ كلّ الفرنسيّين كانوا مصرّين على مرافقة موكب جنازته إلى مثواه  الأخير.وهكذا كانت سابقة في أوروبا كلها وربما في العالم بأسره أن يحضر جنازة أديب في القرن التّاسع عشر أكثر من مليوني شخص  جاؤوا من كلّ حدب وصوب لتوديعه الوداع الأخير.

تلك هي الأفكار والذّكريات التي ازدحمت في ذهني وأنا أتنقّل بين غرف البيت الذي سكنه فكتور هيقو بساحة الفوزج بباريس  بعد عودته من المنفي والذي أسلم فيه الرّوح.

وليس ثمّة شكّ في أنّ هذا الأديب العملاق سيبقى على الدّوام محل إعجاب وإجلال من لدن المثقّفين وعشّاق الأدب الرّفيع في العالم.