البرتغال اليوم : البلد الذي ينهض من سُباته : محمّد صالح بن عمر 27 أغسطس,2015 لشبونة على الرّغم من أنّ البرتغال متاخم لإسبانيا ، فإنّ بين هذين البلدين اختلافا محسوسا للغاية : أوّلا من جهة التّاريخ. فبعد أن كان البرتغال في القرن الحادي عشر للميلاد مملكة صغيرة في شمال البلد الحاليّ قد توسّع نحو الجنوب على حساب الإمارات العربيّة التي كانت منقسمة على ذاتها ومتناحرة .وقد ساعده على ذلك الصّليبيّون الذين هبّوا إليه من كلّ حدب وصوب. على أنّه إذا كان الكاتوليك الإسبان الذين وصفناهم في بعض مقالاتنا السّابقة بالمتعصّبين دينيّا قد خيّروا المسلمين بعد احتلال مدنهم بين مغادرة البلاد أو التّنصّر وحوّلوا المساجد ومعابد اليهود إلى كنائس فإنّ البرتغاليين قد أطردوهم أو قتلوهم وهدموا محلاّت عبادتهم ، محتفظين ببيوتهم وقصور أمرائهم ليستغلوها في السّكن . ولهذا السّبب فإذا كان يعترضك بإسبانيا في كثير من الأحيان أشخاص ذوو ملامح شرقيّة، إلى حدّ أن تهمّ بمخاطبتهم باللّغة العربيّة إلاّ أنّهم في الحقيقة إسبان ينحدرون من العرب الذين تنصرّوا بالقوّة فالبلد المجاور – أي البرتغال – لم يختلط دم سكّانه ،في ما يلوح، البتّة أو الى حدّ كاف بالدّم العربيّ. ولكنْ مثلما هو الشّأن في إسبانيا اليوم يظهر جليّا حرص البرتغاليّين على طيّ صفحة ماضيهم الحالك، بقبول مبدأي حريّة العقيدة والتّعايش السّلمي بين الأديان.وهذا يتجلّى، على سبيل المثال، في الجامع الفخم المنتصب بمدخل العاصمة لشبونة ، ذلك الذي يرتفع منه الأذان في مواعيد الصّلوات الخمس وقد بناه بعض أثرياء العرب. ولمّا ذكرنا هؤلاء الأثرياء فمن المهمّ أن نشير إلى الاستثمارات الضّخمة التي يقوم بها القطريّون والإماراتيّون والكويتيّون خاصّة في هذا البلد .ولئن كنّا لا اعتراض لدينا على الحضور العربيّ المفيد ،المثمر في كلّ بقعة من بقاع العالم ،وفقا لرؤيتنا الكونيّة فهذا لا يمنعنا من توجيه اللّوم إلى إخوتنا في الدّم على نسيان واجباتهم تجاه الأقطار العربيّة الفقيرة ومنها تونس. يبدو البرتغال للزائر ،مقارنة بإسبانيا، بلدا قليل الثّراء أو حتّى فقيرا .وذلك على الرّغم من استغلاله الفاحش ، في ما مضى، عدّة مستعمرات ومشاركته النّشيطة في تجارة العبيد البشغة .وهذه نقطة سوداء أخرى تشوب ماضيه و إنْ لم يكن – والحقّ يقال – الوحيد الذي ارتكب هذه الجريمة الشنعاء .فالأجر الأدنى فيه 589 أورو ( وهو في إسبانيا 756 أورو).لكنّه، فيما أقدّر، كاف لضمان حياة مستورة .وذلك لأنّ الأسعار في هذا البلد منخفضة مقارنة بمثيلتها في إسبانيا أو حتّى في تونس.فعلى سبيل المثال سمك القاروص الذي يباع في تونس بثمن باهظ جدّا ولا يُرى إلاّ نادرا في الأسواق لأنّ البّحارة ينقلونه مباشرة إلى زبائن أثرياء يقتنونه منهم بأيّ ثمن ،يمكنك أن تتناوله في المطاعم المتوسّطة بما قدره 5 أوروات.وهو ما قد يفسّر إقبال التّونسيّين المنقطع النّظير على زيارة هذا البلد ،للتّسوّق أساسا،إذ لم أر منهم في المواقع الأثريّة ولا في المحالّ الثّقافيّة أحدا، ماعدا الذين كانوا يرافقونني .بل إنّنا في يوم العودة بالمطار رأينا كلّ واحد وواحدة من أبناء وطننا وبناته يجرّ وراءه حقيبة ضخمة .ثم حين ركبنا الطّائرة لم يكن معنا إلاّ أجنبيّان اثنان حّى إنّ الانطباع الذي حصل لنا إذذاك هو أنّنا كما كنّا لو في حافلة من حافلات أحواز تونس العاصمة وهي عائدة من أحد الأسواق الأسبوعيّة .ولا شيء أشدّ إزعاجا عندي من السّفر للتّسوّق ! على إحدى ضفّتي نهر التّاج – لشبونة – البرتغال (15أوت/أغسطس/آب 2015 ) في رأس الصّخر على المحيط الأطلسيّ -– البرتغال(14 أوت/أغسطس/آب 2015 ) تحت تمثال المكتشفين البرتغاليّين – لشبونة – البرتغال (15أوت/أغسطس/آب 2015 ) ( يتبع ) 2015-08-27 محمد صالح بن عمر شاركها ! tweet